الدينية اليهودية والنصرانية المأخوذة في الحرب، فلا يجوز إحراقها.
وأما كتب الفلسفة والطب والتاريخ والشعر وسواها من العلوم غير الدينية فإنه يجوز أن ينتفع المسلمون بها. ولا أرى داعيا لتكرار ماحل بمكتبة الإسكندرية وما أصابها من الحريق عندما كان (يوليوس قيصر) محاصرا بالإسكندرية (سنة 47 ق. م) وما أضمره النصارى من الكراهية للوثنيين فلم تأل (النصارى) جهدا في استئصال الوثنية من ديار مصر. ولكن إذا تدرجنا من زمن أنطونين إلى عهد طيودوس علمنا من سلسلة الشواهد العديدة أن القصر الملكي وهيكل (سيراپيس) لم يكونا يحويان بعد ذلك الأربعمائة ألف مجلدا والسبعمائة ألف التي عنى بجمعها اللاجوسيون، وإذا كان ما أحرق من هذه الكتب في الحمامات من كتب المجادلات الدينية بين الآريوسيين وأصحاب الطبيعة الواحد (أي أتباع مذهب خلقدونية)، فكل عاقل حكيم يضحك سرورا بأن ذلك حصل لخدمة البشر. أه (جبون ج 9 ص 274 - 276).
ولا داعي لاستغراب جبون ذكر أبي الفرج لهذه الرواية لبعده عن مصر، وقد ذكرها قبله عبد اللطيف البغدادي الذي توفي سنة 1231 م.
ولا يبعد أن يكون هذا قد رواها أيضا عن غيره: أعني هذه الحادثة كان لها ذكر من، وغاية ما يقال في رواية أبي الفرج أنه يظهر فيها شئ من المبالغة والتهويل، أما احتمال إحراق كتب المجادلات الدينية، وأنه حصل لخدمة البشر فإنه يناقض ما يريد جبون إثباته، وهو إنكار الحقيقة وما ترتب عليها من النتائج.
قال حضرة أستاذنا الشيخ عبد الوهاب النجار: ولكن متى علمنا أن عبد اللطيف البغدادي - الذي كان قبل أبي الفرج الملطي بزمن قليل - قد ذكر أن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية كانت التبعة عليه دون أبي الفرج، لاحتمال أن يكون أبو الفرج أخذ هذه المقالة عن عبد اللطيف البغدادي - الذي رمى بهذه الجملة بغير سلطان أتاه، ولم يقل