من الأطعمة والعلوفة، فأقاموا شهرين (وكان ذلك في أوائل يونيه تقريبا، يردون غارات الأعداء.
وقد أخرج ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد أن هرقلا مات سنة 20 ه، وعن يحيى بن أيوب وخالد بن حميد أن العرب أستأسدت عند ذلك، وألحت بالقتال على أهل الإسكندرية وقتالا شديدا، وكذلك ذكر المقريزي والسيوطي، وهذا يخالف ما قدمناه من أن موت هرقل كان والمسلمون على حصار بابليون، لأن العرب لم تكن حين موته (11 فبراير سنة 641) قد استولت بعد على الحصن. إذ لم يتم لهم ذلك إلا حوالي أواخر مارس أو أوائل إبريل من تلك السنة. وقد أخرج أن عبد الحكم عن الليث بن سعد أنه خرجت من باب الحصن شرذمة من الروم وحملوا على المسلمين فقتلوا رجلا من مهرة واحتزوا رأسه وانطلقوا به. فأبى المهريون أن يدفنوه إلا برأسه: فقال لهم عمرو بن العاص:
تتغضبون كأنكم تتغضبون على من يبالي بغضبكم! احملوا على القوم إذا خرجوا فاقتلوا منهم رجلا ثم أرموا برأسه يرمونكم برأس صاحبكم.
فخرج الروم إليهم فاقتتلوا فقتلوا من الروم رجلا من بطارقتهم فاحتزوا رأسه ورموا به إلى الروم فرمت الروم برأس المهري صاحبهم إليهم فقال عمرو: دونكم الآن فادفنوا صاحبكم. أه.
هذه الحادثة على سذاجتها تبين لنا بداهة عمرو النادرة وقدرته على درء ما عسى أن يؤثر في جنده أو يشغلهم عن الجهاد من جراء مثل هذه الحادثة التي تشبث فيها المهربون بضرورة دفن صاحبهم مع أرسه. فلهذا عمد عمرو بدهائه وحسن سياسته على تهدئة خواطر أصحابه بهذا الرأي الصائب والنظر الثاقب. ولا غرو فعمرو بن العاص رجل فذ لا يبالي بما يصادفه من العقبات، فيعمل على تذليلها وتمهيد السبيل للقضاء عليها.