الثاني: قال النووي الفاعل في قوله: (أقالها) هو القلب ومعناه: انك انما كلفت العمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه العمل بما ظهر من اللسان فقال: (أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل كانت فيه حين قالها واعتقدها أو لا)، والمعنى انك إذا كنت لست قادرا على ذلك فاكتف منه باللسان.
الثالث: قال الخطابي لعل أسامة تأول قوله تعالى: (فلم يك أن ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا) ولذلك عذره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلزمه دية ولا غيرها.
وقال الحافظ: لعله حمل نص النفع على عمومه دنيا وأخرى، وليس ذلك المراد للفرق بين المقامين انه في مثل تلك الحالة ينفعه نفعا مقيدا بأن يجب الكف عنه حتى يختبر أمره هل قال ذلك خالصا من قلبه أو خشية من القتل، وهذا الخلاف ما لو هجم عليه الموت (ووصل خروج الروح إلى الغرغرة، وانكشف الغطاء فإنه إذا قالها لم تنفعه بالنسبة لحكم الآخرة) وهو المراد من الآية.
الرابع: قول الخطابي: لم يلزمه دية ولا كفارة فتوقف فيه الداودي وقال: لعله سكت عنه لعلم السامع أو كان قبل نزور آية الدية والكفارة.
وقال القرطبي: لا يلزم من السكوت عدم الوقوع، لكن فيه بعد، لان العادة جرت بعد م السكوت عن مثل ذلك ان وقع، قال: يحتمل انه لم يجب عليه شئ، لأنه كان مأذونا من أجل القتل فلا يضمن ما أتلفه من نفس ولا مال كالخاتن والطبيب، ولأن المقتول كان من ا لعدو ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته.
قال: وهذا يتمشى على بعض الآراء الخ ما ذكره وتقدم عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لأهل مرداس بدية.
الخامس: قول أسامة: (حتى تمنيت اني لم أكن أسلم قبل ذلك اليوم) أي ان اسلامي كان ذلك اليوم، لان الاسلام يجب ما قبله فتمنى ان يكون ذلك الوقت أول دخوله في الاسلام ليأمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد به تمنى انه لا يكون مسلما قبل ذلك. قال القرطبي:
وفيه اشعار بأنه كان استصغر ما سبق له قبل ذلك من عمل صالح في مقابلة هذه الفعلة لما سمع من الانكار الشديد، وانما أورد ذلك على سبيل المبالغة.
السادس: في بيان غريب ما سبق:
الحرقات: بضم الحاء المهملة وفتح الراء والقاف والفوقية بطن من جهينة نسبة ا لي الحرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة الحضرمي بن جهينة، قال ابن الكلبي: سمي بذلك لوقعة كانت بينهم وبين مرة بن عوف بن سعد فأحرقوهم بالسهام لكثرة من حرقوا منهم.