الرابع: ظاهر بعض الروايات ان اللقاح كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرح بذلك في رواية البخاري في المحاربين فقال: الا أن تلحقوا بابل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: (فأمرهم ان يأتوا ابل الصدقة). والجمع بينهم ان ابل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل، فأمرهم ان يخرجوا مع راعيه، فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا، وظهر مصداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المدينة تنفي خبثها.
الخامس: احتج من قال بطهارة بول ما أكل لحمه بما في قصة العرنيين من أمره لهم بشرب ألبانها وأبوالها، وهو قول الإمام مالك وأحمد، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني. وذهب الإمام الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال كلها من مأكول اللحم وغيره. واحتج ابن المنذر بقوله توزن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة. قال: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام لم يصب إذ الخصائص لا تثبت الا بدليل. قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل ظاهر قال الحافظ: وهو استدلال ضعيف لان المختلف فيه لا يجب انكاره فلا يدل ترك انكاره على جوازه فضلا عن طهارته. وقد دل على نجاسة الأبوال حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)). وكان القاضي أبو بكر بن العربي الذي تعلق بهذا الحديث ممن قال بطهارة أبوال الإبل، وعورض بأنه أذن لهم في شربها للتداوي. وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل انه لا يجب، فكيف يباح الحرام بما لا يجب؟ وأجيب بمعنى أنه ليس بحال ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقد تأوله لقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) (الانعام 119) فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر، والله تعالى أعلم. قال الحافظ: وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح ولا الامر واجب غير مسلم فان الفطر في رمضان حرام، ومع ذلك فيباح لأمر جائز كالسفر مثلا. واما قول غيره. ولو كان نجسا ما جاز التدا وي به لقوله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها). رواه أبو داود من حديث أم سلمة، فجوابه ان الحديث محمول على حالة الاختيار. واما في حالة الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر انها ليست بدواء، انهاداء في سؤال من سأل من التداوي بها فيما رواه مسلم فان ذلك خاص بالخمر ويلتحق بها غيرها من المسكر.
والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات ان الحديث باستعماله في حالة الاختيار دون غيره