سفيان، فقاتلا حتى قتلا، فأتي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفنا في قبر واحد، فهما الشهيدان القرينان.
وركب فرسا له ومعه عدة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فارتاد موضعا ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعا الجبل خلف ظهره، ويخندق من المذاد إلى ذباب إلى راتج، فعمل يومئذ في الخندق، وندب الناس وخبرهم بدنو عدوهم وعسكرهم إلى سفح سلع وجعل المسلمون يعملون مستعجلين، يبادرون قدوم العدو عليهم، واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل للحفر.
ووكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل جانب من الخندق قوما يحفرونه، فكان المهاجرون يحفرون من ناحية راتج إلى ذباب، وكانت الأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل أبي عبيدة.
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن عمرو بن عوف المزني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أجم الشيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا.
وتنافس المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون:
سلمان منا! وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلمان من أهل البيت ".
وكان سلمان يعمل عمل عشرة رجال "، حتى عانه قيس بن أبي صعصعة فلبط به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مروه فليتوضأ له، وليغتسل به سلمان، وليكفأ الاناء خلفه، ففعل فكأنما حل من عقال ".
قال أنس بن مالك: وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل التراب على ظهره، حتى أن الغبار علا ظهره وعكنه.
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: ما نسيت يوم الخندق، وهو يعاطيهم اللبن، وقد اغبر شعره، تعني النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى.
وروى محمد بن عمر عن البراء رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل التراب على ظهره، حتى حال التراب بيني وبينه وإني لأنظر إلى بياض بطنه.
وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق.
ولم يتأخر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التراب في ثيابهما - إذ لم يجدا مكاتل - من العجلة، وكانا لا يفترقان في عمل، ولا مسير ولا منزل.