ويأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على حديث الإفك في الحوادث، ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن ذلك كان بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فتكون المريسيع بعد ذلك، فيترجح أنه سنة خمس. أما قول الواقدي: إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس، فمردود. وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد أن الحجاب كان سنة ثلاث، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال: أشبههما سنة أربع.
الثالث: روى الشيخان عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الاسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسعى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، الحديث. وعنه حدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش.
غارون، بتشديد الراء، أي غافلون.
وذكر جل أهل المغازي أنه حصل بين الفريقين قتال، وذكر جماعة منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يدعوهم إلى توحيد الله تعالى. قال في الفتح: فيحتمل أن يكونوا حين الايقاع بهم تثبتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتال انهزموا، بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافوا، ووقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم.
وأشار ابن سعد إلى حديث نافع ثم قال: والأول أثبت، وأقره في العيون، والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود، لا سيما مع إمكان الجمع.
الرابع: جهجاه، وقيل: اسم أبيه مسعود، وقيل: سعيد: قال الطبري: المحدثون يزيدون فيه الهاء، والصواب جهجا، دون هاء.
وسنان اختلف في اسم أبيه أيضا فقيل: وبر بسكون الموحدة، وقيل: بفتحها - وقيل أبير - بوزن [زبير]، وقيل: وبرة واحدة الوبر، وقيل: عمرو، وقيل: تيم.
الخامس: قوله صلى الله عليه وسلم: " دعوها فإنها منتنة ". قال أبو القاسم الخثعمي: يعني " يا لفلان "، لأنها من دعوى الجاهلية. وقد جعل الله تعالى المؤمنين إخوة، وحزبا واحدا، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة: يا للمسلمين، فمن دعا في الاسلام بدعوى الجاهلية فيتوجه فيها للفقهاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا، اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا، حين سمع: يا لعامر! فأقبل يشتد بعصبة له.