استمكنت منه هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته - وفي لفظ:
في ثندوته - حتى خرجت من بين رجليه، وجعل ينوء نحوي فغلب فوقع فتركته وإياها، حتى إذا مات أتيته فأخذت حربتي، ورجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكة عتقت.
ثم أقمت حتى إذا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف فكنت بها، فلما خرج وفد أهل الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعيت علي المذاهب، فقلت: ألحق بالشام أو اليمن أو ببعض البلاد، فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل: ويحك، والله إنه ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه. فلما قال ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
قال ابن إسحاق وفي رواية يونس: لما قدم وحشي المدينة قال الناس: يا رسول الله هذا وحشي، فقال: " دعوه، فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف رجل كافر ". قال وحشي:
فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أشهد شهادة الحق، فلما رآني قال: " أو حشي؟ " قلت: نعم، يا رسول الله، قال: " أقعد فحدثني كيف قتلت حمزة؟ " قال: فحدثته، فلما فرغت من حديثي، قال: " ويحك! غيب وجهك عني فلا أراك! ".
وروى الطبراني بسند لا بأس به، وتمام الرازي عن وحشي قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات، ثم قال: " لا ترني وجهك! ".
وروى الطبراني بسند حسن عن وحشي: قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا وحشي "، قلت: نعم، قال: " قتلت حمزة؟ " فقلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟! فقلت: يا رسول الله استغفر لي، فتفل في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال: " يا وحشي، اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله " (1).
قلت: وكونه صلى الله عليه وسلم تفل في الأرض أصح من كونه تفل في وجهه، لما علم من حيائه صلى الله عليه وسلم ومحاسن أخلاقه. قال وحشي: فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شر الناس.