فهذان الحديثان فيهما التصريح بأنه عليه السلام قدم مكة عام حجة الوداع لصبح رابعة ذي الحجة، وذلك يوم الأحد حين ارتفع النهار وقت الضحى لان أول ذي الحجة تلك السنة كان يوم الخميس بلا خلاف، لان يوم عرفة منه كان يوم الجمعة بنص حديث عمر بن الخطاب الثابت في الصحيحين. كما سيأتي فلما قدم عليه السلام يوم الأحد رابع الشهر، بدأ كما ذكرنا بالطواف بالبيت ثم بالسعي بين الصفا والمروة، فلما انتهى طوافه بينهما عند المروة أمر من لم يكن معه هدى أن يحل من إحرامه حتما، فوجب ذلك عليهم لا محالة ففعلوه وبعضهم متأسف لأجل أنه عليه السلام لم يحل من إحرامه لأجل سوقه الهدى، وكانوا يحبون موافقته عليه السلام والتأسي به، فلما رأى ما عندهم من ذلك قال لهم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى ولجعلتها عمرة.
أي لو أعلم أن هذا يشق عليكم لكنت تركت سوق الهدى حتى أحل كما أحللتم.
ومن هاهنا تتضح الدلالة على أفضلية التمتع، كما ذهب إليه الإمام أحمد، أخذا من هذا، فإنه قال: لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا، ولكن التمتع أفضل لتأسفه عليه.
وجوابه: أنه عليه السلام لم يتأسف على التمتع لكونه أفضل من القران في حق من ساق الهدى، وإنما تأسف عليه لئلا يشق على أصحابه في بقائه على إحرامه وأمره لهم بالاحلال.
ولهذا - والله أعلم - لما تأمل الإمام أحمد هذا السر نص في رواية أخرى عنه على أن التمتع أفضل في حق من لم يسق الهدى، لامره عليه السلام من لم يسق الهدى من أصحابه بالتمتع، وأن القران أفضل في حق من ساق الهدى، كما اختار الله