عليهم انقضاض العقبان، فإذا جاءت الطيور واحدا منهم ضربته فقطعته قطعا، ففرح المسلمون بتلك الرؤيا وقال بعضهم لبعض: أبشروا قد أمنكم من عدوكم بالنصر وأيدكم بالملائكة تقاتل معكم كما فعلت بكم يوم بدر.
وفرح أبو عبيدة وقال: هذه رؤيتان حسنتان وهو حق يقين. فقال له رجل من المسلمين: أيها الأمير! ما وقوفك عن هؤلاء الاعلاج الكلاب وأيش انتظارك بالحرب، وعدونا قد كادنا بمطاولته وما تأخر عنا إلا ليلة يريد أن يوقعنا فيها، فقال أبو عبيدة: إن الامر أقرب من هذا وما تظنون.
قال سعيد بن رفاعة الحميري: وكنت رجلا ما كنت قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم ولا كنت نظرت إليه، فلما أتاني داعي أبي بكر الصديق رضي الله عنه استنفرنا للقتال والغزاة للروم، فنفرت فيمن نفر وقدمت إلى المدينة مع قومي من حمير ونظرت إلى أبي بكر وهو يصلي بالناس في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلزمت الصلاة معهم ولم أسر إلى قتال الروم، فلما ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حرض على الجهاد، فسرت إلى قتال الروم وشهدت وقعة اليرموك، وذلك أني كنت لا أفارق أبا عبيدة رضي الله عنه، فصلى بنا صلاة الفجر وإذا بالهاتف قد هتف، إذ سمعنا بأصوات قد علت والزعقات من كل جانب ومكان قد ارتفعت وان الروم قد رجفت إلينا، فعلم أبو عبيدة أن المسلمين قد كبسوا في وجه السحر، فقام وقمنا وكان على الحرس تلك الليلة سعيد إذ أقبل وهو ينادى: النفير النفير! حتى وقف أمام أبي عبيدة ومعه رجل من المتنصرة، فقال: أيها الأمير! إن ماهان قد كاد المسلمين بتخلفه عن الحرب وها هو قد عبى عسكره وصف جيوشه (1) وزحف إلينا زحف يريد الكبسة لنا ونحن على غير أهبة ولا عدة وها هو قد أقبل إلينا زاحف، وقد أتانا رجل راغب فينا يحذر الناس من بأسه ويزعم أن ماهان قد أقبل بجيوشه وقد اتفق مع بطارقته أنهم يقاتلونا (2)، كل يوم ملك من ملوكهم بمن معه يؤم هذا، وقد نظر المسلمون إلى راياتهم والقوم قد قربوا منهم والصلبان تدنو.
فقال أبو عبيدة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه