فقال: ألا تسمعون؟ فقالوا: أيها الملك! قل نسمع وننتهى إلى أمرك، فقال (1):
قد علمتم أن هؤلاء العرب قد ظهروا عليكم وغلبوا على أرضكم وأنهم ليسوا يرضون بالأرض والمدائن والقرى ولا الحنطة والشعير ولا الذهب ولا الديباج والحرير، ولكنهم يريدون سبى الأمهات والأخوات والأزواج والبنين والبنات، وأن يتخذوا الأحرار وأبناء الملوك عبيدا، والآن فانصروا دينكم، وقاتلوا عن حريمكم وأولادكم وأموالكم، وامنعوا عن سلطانكم ودار ملككم.
ذكر المشورة التي كانت بين أبي عبيدة بن الجراح وبين المسلمين في أمر الروم.
قال: فجعل هرقل يوصي أصحابه وبلغ ذلك أبا عبيدة بن الجراح فأرسل إلى وجوه عسكره من أهل الصلاح والرأي والمشورة، ثم قال: (2) أيها المسلمون! إن الله عز وجل قد أبلاكم أحسن البلاء، وصدقكم الوعد وأراكم في جميع المواضع ما تحبون، (3) ولعله قد بلغكم ما قد جمع هرقل عليكم في هذا الجمع الخطير والعدد الكثير، وهذا ماهان وقناطر والديرجان قد توجهوا نحوكم في ثلاثمائة ألف أو يزيدون، وقد أحببت أن لا أغركم من نفسي وأن لا أطوى عنكم خبرا من عدوكم، وإني أنا كأحدكم، فهاتوا ما عندكم من الرأي حتى أعلم ما تقولون وبما تشيرون.
قال: فتكلم يزيد بن أبي سفيان فقال (4): أصلحك الله! إني مشير عليك برأي فإن يكن صوابا فذلك أردت وطلبت ونويت، وإن تكن الأخرى فاني لم أتعمد إلا صلاح المسلمين غير أني أرى أن تعسكر على باب حمص في جماعة المسلمين وتدخل النساء والأولاد داخل المدينة وتجعل المدينة من وراء ظهورنا، وتبعث إلى أجنادك من المسلمين الذين فرقتهم بأرض فلسطين وبلاد الأردن فتأمرهم أن يقدموا عليك، فإن سار القوم إلينا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم، والسلام.