فبنى الناس بها الدور واختطوا الحيطان لقبائل العرب، قال: فسكنت العرب الكوفة من ذلك اليوم والدهر، وأرسل عمر إلى سعد بن أبي وقاص فأمره بعمارة مسجدها.
ذكر ما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مسجد الكوفة.
قال القاسم بن الوليد سمعت أبي يقول (1): كنت ذات يوم في مسجد الكوفة قاعدا إذ رأيت رجلا جاء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! إني رجل خلو لا أهل لي ولا ولد، وقد قضيت ما وجب علي من الحج وقد تزودت زادا وابتعت راحلة أأرتحل إلى بيت المقدس فأكون فيه إلى أن يأتيني الموت أم ألزم هذا المسجد؟ فقال له علي عليه السلام: كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد فألزمه فإنه أحد المساجد الأربعة، ركعتان فيه تعدلان عشرا فيما سواه من المساجد، والبركة بها على عشرة أميال (2) من حيث ما أتيته وقد نزل أسد ألف ذراع، [و] في زاويته [فار التنور، و] (3) عند السارية (4) الخامسة صلى إبراهيم الخليل عليه السلام، وفيه مصلى إدريس ونوح عليهما السلام، وفيه عصا موسى بن عمران عليه السلام، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه هلك يغوث ويعوق وهو الفاروق، ومنه سير جبل الأهواز، ويحشر منه يوم القيامة كذا وكذا ألف (5) من الناس ليس عليهم حساب ولا عقاب، ووسطه على روضة من رياض الجنة، وفيه ثلاث أعين... (6) تظهر للمسلمين آخر الزمان: عين [من] ماء وعين من لبن وعين من دهن، جانبه الأيمن ذكر وجانبه الأيسر أنثى، ولو يعلم الناس ما فيه من الفضل لاتوه ولو حبوا. ثم قال: أيها الناس! لا تسبوا الكوفة فإن بها مصابيح الهدى وعمار الذكرى، فيهم يدق الله عز وجل جناح كل فاجر وكافر في آخر الزمان.