فبورك للمسلمين فيه برأيك ومحضرك، وأنا أريد منك أن تحضرني برأيك في كل وقت فإني وإن كنت الوالي عليك فلست بقاطع أمرا دونك ولا دون المسلمين، فاحضرني أنت خاصة ما ترى من رأيك فليس لي عنك غنى، فقال عمرو بن العاص: أفعل ذلك إن شاء الله تعالى [والله يوفقك لما يصلح المسلمين] (1).
قال: وبلغ أبا عبيدة بن الجراح أن جبلة بن الأيهم الغساني بالغوطة من أرض دمشق في أربعين ألفا من العرب المتنصرة بالخيل والعدد والسلاح والزينة.
ذكر جبلة بن الأيهم ومخاطبته مع المسلمين من قبل هرقل ملك الروم.
قال: فدعا بهشام بن العاص، وهو أخو عمرو بن العاص فضم إليه جماعة من المسلمين من أهل الدين والحسب فأرسله إلى هرقل ملك الروم.
قال: فخرج إليه هشام بن العاص في من معه من المسلمين حتى صاروا إلى الغوطة من أرض دمشق، ثم صاروا إلى باب جبلة فاستأذنوا عليه فأذن لهم، فدخلوا عليه في مجلس له مزخرف فإذا هو على فرش له مرتفعة وعلى يمينه كراسي الذهب والفضة عليها ملوك اليمن عليهم الديباج المنسوج وعلى رؤسهم العمائم وقد اعتجروا بها على زي العرب، والمجلس مفروش بالديباج الأسود، وعلى جبلة يومئذ ثياب سود وتاجه على رأسه، فلما نظر المسلمين أومأ إليهم أن اجلسوا، فجلس المسلمون بعيدا منه وإذا رسول جبلة قد أقبل إليهم فقال لهم: يقول لكم جبلة: ما حاجتكم؟ فقال هشام للرسول: ارجع إليه فقل له: إن أردت كلامنا فانزل عن فرشك وكلمنا، فانطلق إليه الرسول فخبره بذلك، فنزل جبلة عن فرشه تلك المرتفعة التي كان عليها إلى فرش دونها، ثم جلس عليها وأومأ إلى المسلمين تقدموا، فتقدموا وجلسوا قريبا من فرشه، ثم كلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الاسلام ورغبه فيه وقرأ عليه كتاب الله عز وجل وخبره بأمر الجنة والنار. قال: فأبى جبلة ذلك ونفر من الاسلام نفرا شديدا، فقال له هشام: إذ قد أبيت ما دعوناك إليه فإني مسائلك، فقال: سل عما بدا لك، فقال هشام بن العاص: ما هذه الثياب السود التي أراها عليك؟ فقال جبلة: إذا