ولم يقل شيئا، قال خالد: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله! قال ماهان: والله ما أدري أمحمد رسول الله أم لا، ولعل ذلك كما تقول، قال خالد: وبعد فإني فهمت كلامك ولم يخف علي منه شئ فأما ما ذكرت به قومك من الغني والعز ومنع الحريم والظهور على الأعداء والتمكن في البلاد فنحن به عارفون، وأما ما ذكرت من إنعامكم على جيرانكم من العرب فقد عرفناه منكم وإنما كان ذلك أمرا تصلحون به دنياكم، وإحسانكم إليهم إنما كان زيادة في ملككم (1) لان عامتهم قد دخلوا في دينكم فهم يقاتلون معكم، وهذا جبلة بن الأيهم الغساني هو رجل من العرب غير أنه مقيم معكم في جميع بني عمه المتنصرة فهو أشد علينا منكم، وأما ما ذكرتنا به من رعي الإبل والشاة فليس فينا أحد يكره ذلك وليس لمن لم يرع عندنا فضل على من رعى، وأما ما ذكرتنا به من الصخر والحجر والصوف والوبر فحالنا والله كما ذكرت (2) ولقد كنا أسوأ حالا مما ذكرت وأقل وأذل في عيون الناس، وذلك أن الله عز وجل أنزلنا أرضا ليس بها أنهار جارية ولا زرع ولا خير، وإنما هي مهامه (3) وقفار، وكنا كما ذكرت أصحاب حجر وصخر وشاة وبعير، وعيش نكد وفقر شديد، نقسم بالأزلام ونسجد للأصنام، نقطع أرحامنا ونسئ إلى إخواننا، ونقتل أولادنا خشية إملاق، ونعبد من دون الله أوثانا نتخذها بأيدينا من الحجارة التي نتخيرها على أعيننا، وهي لا تضرنا ولا تنفعنا ولا تنصرنا ولا تسمع ولا تبصر ونحن عليها عاكفون (4) ولها مطيعون، فبينما نحن كذلك على شفا حفرة من النار من مات منا كان مشركا بربه قاطعا لرحمه صار إلى النار ومن بقي بقي على سخط من الجبار إذ بعث الله عز وجل رسولا من أنفسنا وصميمنا وأشرافنا وكرمائنا وأخايرنا، فدعانا الله إلى الله عز ذكره وحده لا شريك له وأمرنا أن نخلع الأنداد التي نعبدها من دونه وأن لا نجعل لربنا صاحبة ولا ولدا ولا نشرك معه أحدا ولا نعبد من دونه نارا ولا حجرا، ولا شمسا ولا قمرا، وأمرنا أن نقاتل من زعم أنه ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة حتى يقولوا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإن قلتم ذلك فقد حرمت علينا دماؤكم
(١٩١)