وتركتمونا للعرب، فلما علمنا أنه لا طاقة لنا بهم رضينا وسلمنا، فقال ماهان: لا عليكم فسيبلغكم ما يمر بهم من هذه الجيوش التي معي.
قال: فرجع الجاسوس إلى أبي عبيدة بن الجراح فخبره بذلك، فدعا برؤساء العسكر فقال: هاتوا ربكم فان القوم قد نزلوا أرض حمص، قال: فتكلم خالد بن الوليد فقال (1): أيها الأمير! إن من الرأي أنا إن كنا نقاتل هؤلاء القوم بالكثرة والقوة فهم أكثر منا وأقوى، وإن كنا نقاتلهم بالله وحده لا شريك له ونحن على هذا الذي نحن عليه فما تغني كثرتهم ولا جموعهم من الله شيئا. قال: ثم تكلم قيس بن هبيرة المرادي فقال (2): أيها الأمير! هذا وقت رأى نشير به عليك أترانا نرجع إلى بلادنا ومساقط رؤوسنا وتترك لهؤلاء الروم حصونا وديارا وأموالا قد أفاءها الله علينا ونزعها من أيديهم فجعلها في أيدينا، إذ لا ردنا الله إلى أهلنا أبدا إن تركنا هذه العيون المتفجرة والأنهار المطردة والزرع والنبات والكروم والأعناب والذهب والفضة والديباج والحرير والحنطة والشعير ونرجع إلى أكل الضب ولبوس العباءة ونحن نزعم أن قتيلنا في الجنة يصيب نعيما مقيما وقتيلهم في النار يلقى عذابا أليما! أثبت أيها الأمير وشجع أصحابك وتوكل على الله وثق به ولا تيأس من النصر والظفر.
قال: فقال أبو عبيدة: أحسنت يا قيس! ما الرأي إلا ما رأيت وأنا زعيم لك ولا أبرح هذه الأرض حتى يأذن الله لي وهو خير الحاكمين.
ذكر مسير الروم إلى اليرموك ونزولهم هنالك.
قال: ثم سار ماهان من أرض حمص في مائة ألف فارس حتى نزل اليرموك وهو نهر من أنهار بلد الأردن، فلما استقر به الموضع إذا قناطر قد أقبل في مائة ألف فارس حتى نزل به مع ماهان، قال: وإذا بطريق من بطارقة الروم يقال له جرجيس (4) قد أقبل من عند ملك الروم مددا لماهان في مائة ألف فارس، قال: فصار ماهان في أربعمائة ألف فارس.