وقد أظفرهم الله بهم في غير موطن من مواطنهم حتى لم يتركوا لهم أرضا إلا وأخذوها واحتووا عليها وصارت في أيديهم، وإني أخاف أن يكونوا أساؤوا الرأي وجاؤوا بالعجز وجردوا (1) عليهم عدوهم، فقال له سفيان بن عوف: يا أمير المؤمنين! إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، إن صاحب الروم قد جمع لنا جموعا لم يجمعها أحد كان قبله لاحد كان قبلنا، ولقد حدثنا بعض عيوننا أن عسكرا واحدا من عسكرهم نزل في موضع من البرية وقد هبطوا من ثنية من أول النهار فما تكاملوا في موضع حتى أمسوا وذهب أول الليل، وهذا عسكر واحد من عساكرهم فما ظنك بباقيهم يا أمير المؤمنين (2)! [قال: فقلت] ولكن أشدد أعضاد المسلمين بمدد من عندك قبل الوقعة، فإني أظن أن هذه الوقعة هي الفصل بيننا وبينهم، فإن أظفرنا الله عز وجل بهم هذه المرة فقد هلكت الروم هلاك عاد وثمود. فقال عمر رضي الله عنه: أبشر يا سفيان بما يسرك الله به وجميع المسلمين واعلم أن عامر بن حذيم (3) قادم عليهم بالمدد سريعا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ذكر كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح.
أما بعد (4) فقد بلغني خروجك من أرض حمص وترككم بلادا فتحها الله عز وجل عليكم، فكرهت هذا من رأيكم وفعلكم، غير أني سألت رسولكم عن ذلك فذكر أن ذلك كان من رأى خياركم وذوي النهي منكم، فعلمت أن الله تبارك وتعالى لم يكن بالذي يجمع آراءكم إلا على توفيق وصواب، وقد سألني المدد فأجبته إلى ذلك ولن تقرأ كتابي هذا حتى يأتيكم المدد، وكل ما تحبون مما فيه قوتكم إن شاء الله عز وجل، غير أني أعلمكم أنه ليس بالجمع الكثير والجيش الكثيف تهزم الجموع وينزل النصر، وربما أخذل الله عز وجل الجموع الكثيرة فهزمت وفلت فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا، وربما نصر الله عز وجل العصابة القليلة عددها وعددها وأظفرهم