أتاك كتابي هذا فأقبل إلي وذر ما كنت وجهتك له إلى أن نرى ما رأينا وننظر ما يأمرنا به أمير المؤمنين، والسلام.
قال: فورد كتاب أبي عبيدة على ميسرة وقد شارف أرض حلب، فلما نظر إلى الكتاب أقبل راجعا إلى أبي عبيدة بن الجراح حتى نزل معه مدينة حمص.
ذكر مصير الروم إلى هرقل ملك الروم وكلامهم له وكلامه لهم وإجماع الروم على المسلمين وسيرهم إلى ما قبلهم وهي وقعة اليرموك.
قال: وانطلقت البطارقة من أهل حمص إلى هرقل ملك الروم وهو يومئذ بمدينة أنطاكية فخبروه بأنه قد أخذت حمص من أيديهم وقد نزلها العرب، فاغتم لذلك هرقل غما شديدا ثم أقبل على بطارقته فقال لهم: خبروني عن هؤلاء العرب أليس هم بشر مثلكم؟ فقالوا: بلى أيها الملك! قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم بأضعاف كثيرة، قال: فما بالكم تنهزمون من بين أيديهم ولا تثبتون لهم؟ قال: فسكتوا ولم يخبروا جوابا. وتكلم شيخ من عقلائهم فقال: أيها الملك! أنا أخبرك من أين نؤتي، قال: هات فخبرني، فقال: أيها الملك! هؤلاء العرب قوم صالحون ونحن قوم طالحون، فإذا حملنا عليهم فنكذب وهم إذا حملوا علينا لم يكذبوا، قال هرقل: ولم تفعلون ذلك وأنتم أكثر منهم عددا وجمعا وتزعمون أن الحق في أيديكم؟ فقال له الشيخ: أيها الملك! نفعل ذلك لأنهم أفضل أعمالا عند ربهم، وذلك أنهم يصومون النهار ويقومون الليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (1)، ونحن أيها الملك! نظلم الناس وننقض العهد ونشرب الخمر ونركب الحرام، ونعمل بالمعاصي ونفسد في الأرض ونأمر بما يسخط الله عز وجل، وننهى عما يرضي الله عز وجل، قال: فقال هرقل:
لعمري يا شيخ! إنه لعلى ما تقول، وما صدقني أحد سواك، وليس الرأي عندي إلا أن أخرج عن هذا البلد وأصير إلى غيره فإني أعلم أنه ما لي في أمثالكم من خير إذ كنتم تفعلون هذه الفعال القبيحة، قال: فقال له: أيها الملك! أتترك سورية بلد