قال ورقا بن مهلهل - وكان صاحب راية أبي عبيدة: أول من فتح باب الحرب يوم جيش السلاسل غلام من الأزد حدث السن، فقال لأبي عبيدة: أيها الأمير! إني قد أردت أن أشفي قلبي وأجاهد عدوي وعدو الاسلام وأبذل نفسي في طاعة الله عز وجل لعلي أرزق الشهادة فهل تأذن لي في ذلك؟ وإن كان لك حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني بها، فبكى أبو عبيدة رضي الله عنه وقال: أقرئ محمدا عني السلام وخبره أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا.
قال: فألوى الغلام الأزدي رأس جواده وحمل يريد الحرب، فحمل عليه علج من الروم تام من الرجال على فرس أشهب، فلما رآه الغلام دلف (2) نحوه، وقد حبس نفسه في سبيل الله تعالى، فلما قرب منه حمل عليه (3) الغلام الأزدي حملة منكرة، فطعنه في صدره خرج السنان من ظهره، وأخذ عدته وجواده وسلم ذلك إلى رجل من قومه ثم إنه عاد وطلب البراز، فخرج إليه ثان فقتله، وثالث ورابع فقتلهم، وخرج إليه خامس فقتل الأزدي رحمة الله عليه.
فغضبت الأزد عند ذلك لأجل قتل صاحبهم ودنوا من صفوف الروم، فعندها أقبلت الروم وزحفت كالجراد المنتشر حتى دنا طرفهم من ميمنة المسلمين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندها نادى معاذ بن جبل (4): معاشر المسلمين! إن أعداء الله وأعداءكم قد زحفوا إليكم فتأهبوا للحملة، واعلموا أن الله معكم فثبتوا أنفسكم بالصبر والصدق واللقاء والنصر من الله تعالى، ثم لحظ السماء بطرفه وقال: اللهم إياك نعبد وإياك نستعين، ولك نوحد ولا نشرك بك شيئا، وإن هؤلاء الأعداء يكفرون بك وبآياتك، اللهم فانصرنا عليهم يا من قال في كتابه العزيز (واعتصموا بالله هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير) (5).
قال: فبينما معاذ بن جبل (4) يدعو إذ حملت ميمنة الروم على المسلمين، وذلك