أن ماهان بعث إلى ميسرة الروم - وكان على الميسرة الديرجان - وقال له: الملك يقول لك: احمل على ميمنة المسلمين بأصحابك، قال: فحمل على الميمنة وكان فيها الأزد ومذحج وحضرموت [وخولان] (1)، فصبر المسلمون وقاتلوا قتالا شديدا، وثبتوا احتسابا، فحملت عليهم كتيبة ثانية، فصبروا لهم صبرا جميلا، فحملت عليهم كتيبة ثالثة، فزال المسلمون عن الميمنة، وانكشفت طائفة من الناس إلى العسكر وثبتت منهم طائفة ثباتا حسنا، قاتلوا تحت راياتهم.
وانكشفت (3) لهم يومئذ زبيد وهم في الميمنة وعليهم الحجاج بن عبد يغوث قال عكاشة بن مازن: وكان عليهم قيس بن هبيرة، وزبيد قد انهزمت، فابتدر عمرو بن معدي كرب وهو مقدم على زبيد، وهو الأمير فيهم وهم يعظمونه لما سبق من شجاعته في الجاهلية، وكان يوم اليرموك قد مر له من العمر مائة وعشرون سنة إلا أن همة الشجاعة فيه متيقظة. قال: فلما نظر إلى قومه قد انكشفوا صاح فيهم: يا آل زبيد! يا آل زبيد! أتفرون من الأعداء أترمون أنفسكم بالعار والذلة والشنار؟ فما هذا الانزعاج من كلاب أعلاج؟ أما علمتم أن الله يطلع على المجاهدين الصابرين، فإذا نظر إليهم قد لزموا الصبر في مرضاته وثبتوا لقضائه أمدهم بنصره وأيدهم به، فأين تهربون من الجنة؟ أرضيتم بالعار وغضب الجبار [ودخول النار] (4).
فلما سمعت زبيد كلام سيدها عمرو بن معدي كرب الزبيدي تراجعوا (5) إليه كعطفة الام، واجتمعوا من حوله وحملوا على الروم حملة واحدة، وحملت معهم حمير وحضرموت وخولان، فأزالوا الروم على مواضعهم، وحملت دوس على المشركين مع قيس بن هبيرة، (6) فهز رايته وجعل يحرض الناس على القتال هذا ودوس حملت حملة ودارت الحرب كما تدور الرحى وتكاثفت جموع الروم على