أصبت وأحسنت أيها الوزير فاعمل برأيك.
قال: فلم يشعر المسلمون إلا ورجل من الروم قد وافاهم، فلما نظروا إليه في عسكرهم أنكروه ثم دنوا منه فقالوا: من أنت ومن أين أقبلت؟ فتلكم بالعربية فقال:
أنا رجل من الروم من أهل عمورية، بعثت إليكم فأين أميركم أبو عبيدة بن الجراح؟
فقالوا: هو ذاك؟ وأقبلوا به إلى أبي عبيدة حتى أوقفوه بين يديه، فقال له أبو عبيدة:
اجلس وتكلم بحاجتك.
قال: فجلس الرومي فقال: أنا رسول ماهان إليكم وزير ملك الروم وعامل على بلاده وقائده على جميع جنده، بعثني إليكم وهو يسألكم أن تبعث إليه بالرجل الذي كان أميرا قبلك ثم عزل ووليت أنت من بعده الذي يقال له خالد بن الوليد (1)، فقد بلغه عنه أنه رجل له حسب وقد علمنا أن ذوى الأحساب أفضل من غيرهم، فنحن نحب أن نخبره بما نريد ونسأله عما تريد، فإن وقع بيننا وبينكم اتفاق لنا ولكم فيه صلاح ورضى أخذنا به وحمدنا الله عز وجل على ذلك، وإن لم يتفق بيننا وبينكم شئ كان الحرب (2) من وراء ذلك بعد الاعذار والانذار.
قال: فدعا أبو عبيدة بخالد بن الوليد فخبره بذلك (3)، فقال خالد بن الوليد:
فإني صائر إليه غدا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
قال: وحضرت صلاة المغرب فأذن المؤذن من كل ناحية وصلوا، حتى إذا فرغوا من صلاتهم قال خالد: علي بالرسول، فأتوا به فقال له: هذا وقت مساء ولكن إذا كان غدا غدوت إلى صاحبك إن شاء الله فارجع إليه وأعلمه ذلك. قال:
فقعد الرومي عند القوم ولم يبرح وجعل ينظر إليهم كيف يصلون ويدعون ويستغفرون