ولما اصطفت الصفوف صرخ ماهان في الروم صرخة عظيمة وقال: ويلكم!
ما يوقفكم عن الحرب والقتال؟ ازحفوا إليهم! فحملت الروم على المسلمين.
ونظر خالد بن الوليد إلى جيش عظيم عرمرم وجواشن تلمع وسيوف تشرع، وكان قد انفرد منهم ثلاثون ألفا من عظماء الروم وفرسانهم، وحفروا لهم في الميمنة حفائر ونزلوا فيها وشدوا خيلهم بالسلاسل، واقترن كل عشرة في سلسلة التماسا للحفيظة (1) وأن لا يفروا وحلفوا بعيسى ومريم والصليب أن لا ينهزموا أو يقتلوا العرب عن آخرهم.
فلما نظر خالد بن الوليد إلى ما صنعوا قال لمن حوله من جيش الزحف: هذا يوشك أن يكون يوما عظيما (2)، ثم قال: اللهم! أيد المسلمين بالنصر وافرغ عليهم الصبر. ثم أقبل إلى أبي عبيدة وقال: أيها الأمير! إن الروم قد اقترنوا بالسلاسل وزحفوا إلينا بالعمد والقواضب، قال أبو عبيدة: اعلم أن عدد القوم كثير وما ينجيكم إلا الصبر.
ثم قال لخالد: ما الذي تراه من الرأي يا أبا سليمان؟ فقال: اعلم أن ماهان قد قدم حامية أصحابه أمام جيشه وصفهم أمام المسلمين، قال: وكان ماهان قد قدم أمام الروم من ذكرت شجاعته وعرفت براعته واشتهر في بلادهم بالثبات وهم مائة ألف فارس، فلما رآهم خالد بن الوليد وشاهد تعبيتهم ونظر إليهم شهد لهم أنهم من أهل الشدة (3)، قال لأبي عبيدة: إن من الرأي أن توقف في مكانك الذي أنت فيه سعيد بن زيد وقف من ورائه بإزائه في ثلاثمائة من أصحابك فإذا علم المسلمون أنك من ورائهم استحيوا من الله تعالى ثم منك أن لا ينهزموا.
قال: فقبل أبو عبيدة مشورة خالد ودعا بسعيد بن زيد - وهو أحد العشرة الذين بايعوا النبي تحت الشجرة - فأوقفه مكانه. ثم انتخب أبو عبيدة مائتي فارس من فرسان المسلمين وفيهم رجال من المهاجرين [والأنصار] (4)، ووقف بهم من وراء الصف بحذاء سعيد بن زيد.