فقال خالد: إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: وقفت الدواب ولم يتهيأ لها أن تسير ونزل الناس وجعلوا يمشون ويقودونها وقد أيسوا من الحياة وينظرون يمنة ويسرة فإذا هم بشجرة قد لاحت لهم، فكبروا وقصدوها وإذا تحتها عين من الماء غزيرة، فكبر القوم ونزلوا فشربوا وسقوا ما معهم وحمدوا الله عز وجل على ذلك، فقال خالد: ويحك يا رافع! لقد كدنا أن نهلك وتهلك معنا، فقال: أعز الله الأمير! ما سلكت هذه المفازة إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام حدث السن، ولكن رجوت أن يسلم الله عز وجل المسلمين (1).
قال: ثم سار خالد بن الوليد واتصلت له المياه حتى انحط على موضع يقال له الكواتل (2) من ديار بني ثعلب وهم قوم نصارى على دين هرقل ملك الروم، وهو الذي أقطعهم البلد فيما مضى، فلم يشعر القوم إلا وخالد قد وافاهم فوضع فيهم السيف فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبي نساءهم وأولادهم وأموالهم وفض جموعهم فضا لم يجمعوها بعدها في ذلك الموضع.
ذكر كتاب خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة وأصحابه رضي الله عنهم (3).
بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين والمؤمنين، سلام عليكم! أما بعد فإني أسأل الله عز وجل الذي أعزنا بنصره وشرفنا بدينه وأكرمنا بنبيه صلى الله عليه وسلم [وفضلنا بالايمان، رحمة من ربنا لنا واسعة، ونعمة منه علينا سابغة] (4) أن يتم علينا وعليكم نعمه وأن يصرف عنا وعنكم