بظل خيمة من شعر الغنم وجلس تحتها والتجأ إليها وأنت أيها العلج ليس عندك خبر عن أحوالنا فقل ما يشاء وسترى بعد ساعة أن الحقيقة غير ما تظن ولن ينفعك الندم عند ذلك شيئا فغضب البطريق وقال لمن حوله: أنزلوني للأسفل لكي أقابل هؤلاء الصغار. فأنزلوه في زمبيل حتى وصل إلى الأرض ثم خرج وقد لبس الدرع ووضع على رأسه قلنسوة مطرزة بالذهب وقد وضع نطاقا على وسطه من الذهب وحمل بيده سيفا لماعا ووقف على باب القلعة ثم طلب المبارزة فبرز إليه رجل من بني مزينة حسن الصورة ومعه ترس من ليف النخل وبيده سيف وعلى رأسه عمامة بالية سوداء فنظر إليه البطريق بعين الاحتقار ثم حمل عليه وألقى عليه السيف فتلقاه المزني بترسه ثم ضربه بنفس السيف على ساقيه فقطع ساقيه فأسرع إليه العربي واحتز رأسه وأخذ في سلبه. وانهالت عليه الحجارة من أعلى القلعة فلم يبال بها حتى جمع سلاح ولباس البطريق وتركه في مكانه مجردا، ثم رجع سالما غانما.
وبما أن البطريق قد أصيب على تلك الحال، خاف أهل البلد وتوقفوا عن الحرب ذلك اليوم.
في اليوم الثاني خرجوا من البلد وحاربوا بكل شدة حتى أنه استشهد من المسلمين عدة رجال، فأمر عياض الجيش بأن يتراجع قليلا لكي يتوهم العدو بأنهم قد هزموا، حينئذ لحق بهم أهل البلد إلى مسافة معينة ثم أمر عياض الجيش بالكرة عليهم فقتلوا منهم جمعا كثيرا ومن بقي منهم التجأ إلى القلعة حينذاك أيقنوا بأنه لا يمكنهم مقاومة جيش المسلمين، فأرسلوا شخصا بطلب الصلح إلى عياض فأجابهم إليه بشرط أن يدفعوا نقدا ثلاثين ألف دينار وعلى كل شخص منهم الجزية أربعة دنانير تؤدى في وقتها. وعلى هذا تم الصلح وكتب لهم بذلك وثيقة (1).
إرسال عياض بن غنم لميسرة بن مسروق العبسي إلى أطراف ولاية الخابور.
وبعد ذلك استدعى عياض بن غنم ميسرة بن مسروق العبسي (2) وسلمه ألف