كنا نحن في عسكرنا وليس عندنا مما صنع الكافر خبر، قال: فلما انشق الفجر وتقدم أبو عبيدة وصلى بالناس وهو لا يعلم بمكيدة ماهان فقرأ في الركعة الأولى (والفجر * وليال عشر) حتى أتى إلى قوله (إن ربك لبالمرصاد (1)) فهتف به هاتف: ظفرتم بالقوم ورب الكعبة! وما يغني عنهم كيدهم شيئا وما أجرى الله هذه الآية على لسان أميركم إلا بشارة لكم، فلما سمع المسلمون الهاتف عجبوا، ثم قرأ في الركعة الثانية (والشمس وضحها) إلى قوله (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوها (2)) وإذا الهاتف يقول: ثم الفأل وصح الزجر، هذه علامة النصر، فلما فرغ أبو عبيدة من الصلاة قال: معاشر المسلمين! هل سمعتم من الهاتف ما سمعت؟ قالوا: سمعنا قائلا يقول كذا وكذا، قال أبو عبيدة: هذا والله هاتف النصر وبلوغ الامر، فأبشروا بنصر الله ومعونته، فوالله! لينصرنكم الله العظيم عليهم.
ثم قال: معاشر المسلمين! إعلموا أني رأيت البارحة رؤيا تدل على النصر على الأعداء والنصر من إله السماء، فقالوا: ما الذي رأيت؟ قال: رأيت كأني واقف بإزاء عدونا من الروم فحينئذ مر بي رجال عليهم ثياب بيض لم أر مثلهم، وحسن بياضهم وإشراق نورهم يغشى الابصار، وهم على خيول شهب. فلما أخذوا مصافهم قالوا للرجال منا - منهم من أعرف ومنهم من لا أعرف -: تقدموا إلى عدوكم ولا تهابوهم فإنكم الأغلبون والله ناصركم، ودعوا برجال منكم وسقوهم من كأس معهم فيه شراب، وكأني أنظر إلى عسكرنا وقد دخلوا إلى عسكر الروم، فلما رأونا ولوا بين أيدينا منهزمين. فقال المسلمون: أصلح الله الأمير وبشرك بالخير.
فقام رجل من خولان (4) فقال: أصلحك الله أيها الأمير! وأنا أيضا رأيت البارحة رؤيا كأننا خرجنا نحو عدونا فضايقناهم في الحرب وإذا قد انقضت عليهم من السماء طيور (5) لها أجنحة خضر ومخاليب كمخاليب العقبان (6)، فجعلت تنقض