راياتهم مختلفة الألوان، وجعل المهاجرين والأنصار في القلب وأظهر المسلمون السلاح، وجعل العسكر ثلاثة صفوف: صف فيه الرماة من أهل اليمن، وصف فيه أصحاب السيوف والحجف، وصف فيه الرماح والخيل والعدة، وقسم الخيالة ثلاثة صفوف وقدم عليهم ثلاثة من فرسان المسلمين: أحدهم غياث بن حرملة العامري، والآخر نبلة (1) بن سيف اليربوعي، والثالث القعقاع بن عمرو التميمي، ووقف المسلمون تحت راياتهم، ووقف أبو عبيدة رضي الله عنه في القلب تحت رايته التي عقدها أبو بكر الصديق له يوم مسيره إلى الشام وهي راية رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، وكان خالد بن الوليد تحت رايته العقاب وكانت سوداء، وكان على الدراجة شرحبيل بن حسنة، وعلى الميمنة يزيد بن أبي سفيان، وعلى جناح الميسرة قيس بن هبيرة المرادي، وكانت الأزد في ذلك اليوم في القلب، وحمير وهمدان ومذحج وخولان وخثعم وكنانة وقضاعة ولخم وجذام وحضرموت ميمنة وميسرة، ولم يكن فيهم تيم ولا ربيعة (3) لأنهم كانوا في العراق مع سعد بن أبي وقاص.
فلما ترتبت الصفوف صار أبو عبيدة بين الصفوف وجعل يحرض الناس على القتال ويقول (4): إن تنصروا الله ينصركم، فلازموا الصبر فإن الله يحب الصابرين، ولا تحدثوا حدثا حتى آمركم، ثم رجع إلى مقامه ووقف في القلب. وخرج من بعده معاذ بن جبل فطاف محرضا للناس ويقول (5): يا أهل الدين! اعلموا رحمكم الله!
إنه لا تنال الآخرة إلا بالعمل والنية، وجعل يقول: أيها الناس! غضوا أبصاركم واجثوا على الركب وشرعوا الرماح، وإذا حملوا عليكم فامهلوهم وإذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا في وجوههم وثوب الأسد إلى فريستها، ولا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، ثم إنه عاد فوقف في مكانه.
ولم تغن مكيدة ماهان شيئا، ورجعت الروم إلى ورائها حين نظروا إلى خالد بن الوليد وقد زحف إليهم في خمسمائة فارس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاروا لذلك ورجعوا.