ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى [قد] استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له، فخرج أبو بكر مهاجرا، حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين، لقيه ابن الدغنة (1)، أخو بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وهو يومئذ سيد الأحابيش.
قال ابن إسحاق: والأحابيش: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة.
قال ابن هشام: تحالفوا جميعا، فسموا الأحابيش [لانهم تحالفوا بواد يقال له الأحبش بأسفل مكة] للحلف. ويقال: ابن الدغينة (1).
قال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عروة [بن الزبير] عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقال ابن الدغنة: أين يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي وآذوني، وضيقوا على، قال: ولم؟ فوالله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم، ارجع فأنت في جواري.
فرجع معه، حتى إذا دخل مكة قام ابن الدغنة فقال: يا معشر قريش، إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يعرضن له أحد إلا بخير. قالت: فكفوا عنه.
قالت: وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بنى جمح، فكان يصلى فيه، وكان رجلا رقيقا، إذا قرأ القرآن استبكى. قالت: فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته. قالت: فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة، فقالوا [له]: يا بن الدغنة، إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا!
إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق [ويبكي] وكانت له هيئة ونحو، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم، فاته فمره أن يدخل بيته .