قضاعة ونماءها واجتماعها ببلادها، لما بينه وبين رزاخ من الرحم، ولبلائهم عنده إذا أجابوه إذ دعاهم إلى نصرته، وكره ما صنع بهم رزاخ:
ألا من مبلغ عنى رزاحا * فإني قد لحيتك في اثنتين لحيتك في بنى نهد بن زيد * كما فرقت بينهم وبيني وحوتكة بن أسلم، إن قوما * عنوهم بالمساءة قد عنوني قال ابن هشام: وتروى هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي.
قال ابن إسحاق: فلما كبر قصي ورق عظمه، وكان عبد الدار بكره، - وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب، وعبد العزى وعبد - قال قصي لعبد الدار: [أما والله يا بنى] لألحقنك بالقوم وإن كانوا قد شرفوا عليك: لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له، ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك، ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك، ولا تقطع قريش أمرا من أمورها إلا في دارك، فأعطاه داره دار الندوة، التي لا تقضى قريش أمرا من أمورها إلا فيها، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة.
وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي ابن كلاب، فيصنع به طعاما للحاج، فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد. وذلك أن قصيا عرضه على قريش، فقال لهم حين أمرهم به: " يا معشر قريش، إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج، حتى يصدروا عنكم " ففعلوا، فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه، فيصنعه طعاما للناس أيام منى. فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه حتى قام الاسلام، ثم جرى في الاسلام إلى يومك هذا، فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضي الحج.