ثم إنه تخوف أن يكون قد رآه غيره، فذهب إلى مجلس زياد بن أبيه ليتجسس هل يذكرونه، فإن هم أحسوا بذلك أخبرهم أنه عنده ودفعه إليهم، فسلم على زياد وقعد عنده وكان الذي بينهما لطيف، قال: فبينا هو كذلك إذ أقبل رشيد على بغلة أبي أراكة مقبلا نحو مجلس زياد، فلما نظر إليه أبو أراكة تغير وجهه وأسقط في يده وأيقن في الهلاك، فنزل رشيد عن البغلة وأقبل على زياد فسلم عليه.
فقام إليه زياد فاعتنقه فقبله، ثم أخذ يسأله كيف قدمت وكيف من خلفت وكيف كنت في مسيرك؟ وأخذ يجيبه، ثم مكث هنيئة ثم قام فذهب.
فقال أبو أراكة لزياد: أصلح الله الأمير من هذا الشيخ؟
فقال: هذا أخ من إخواننا من أهل الشام قدم علينا زائرا.
فانصرف أبو أراكة إلى منزله، فإذا رشيد بالبيت كما تركه، فقال له أبو أراكة: أما إذا كان عندك من العلم مثل ما أرى فاصنع ما بدا لك وادخل علينا كيف شئت (1).
حدث أبو عمرو الكشي في رجاله: بإسناده إلى أبي حيان العجلي، عن قنواء بنت رشيد الهجري قال: قلت لها أخبريني ما سمعت من أبيك؟
قالت: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: «يا رشيد كيف صبرك، (إذا) (2) أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟» قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة؟
فقال: «يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة».
قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل عبيد الله بن زياد الدعي، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فأبى أن يبرأ منه، فقال له الدعي: فبأي ميتة قال لك تموت؟
فقال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرأ، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني.
فقال: والله لأكذبن قوله (فيك) (3).
قال: فقدموه فقطعوا يديه ورجليه، وتركوا لسانه.