بالإحسان والمسرات، وعمل الباقيات الصالحات، فأمر بحفر نهر لإجراء الماء من نهر الفرات إلى أرض النجف.
فامتثل المنهدسون والمعمارون أمره وأسرعوا لما أراد ورغب، بعد أن بذل الأموال الطائلة ما يزيد على المائة ألف دينار من الذهب الأحمر، واكتروا نهرا من شط الفرات العذب من سلسال عين الحياة، فجرى ذلك الماء إلى الكوفة روح الله روح ساكنها، وكانت تلك الأرض قبل ذلك خالية من العمارات، مقفرة العرصات، موحشة لعدم النزهة فيها والكلاء، فحدثت بحدوث النهر الأشجار، وجرت في جوانبها الأنهار، ﴿والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا﴾ (1)، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فجرى ذلك بواد غير ذي زرع، فأحدقت بهجتها برياضها، من بعد ما كانت موحشة أطلالها، فزهرت لها أنوارها، ولم يكن قبل ذلك ممن تقدم من الملوك والسلاطين من يهتدي إلى هذه الخيرية الشاملة لثواب يوم الدين، مع أنهم قد جمعوا وادخروا.
وكان تاج الدين علي ابن أمير الدين من بعض فضلاء ذلك العصر، وكان أيضا من جملة المأمورين بهذا العمل واستخراج ماء الفرات واستنباط ذلك الخير النبيل، وإجراء الفضل الجزيل، فمما في ذلك قيل: ألفاظها كسلسل بل أين الفرات عن الرحيق الأسلس، ومعانيها تزدري برياض الجنات، فقال القائل في هذه الكلمات:
آضت به أرض النجف، روضة غناء، وحلة زهراء، موشية بعد أن كانت موسخة، كأن ثراها عنبر سحيق، أو مسك فتيق، يتصبب منها زلال سحها الدرور، ويرقص على ايقاع تصفيق مائها السرور، فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها وكذلك النشور:
والماء يبدو في الوقائع لامعا * كالبحر مع نور الغزالة تشرق فإذا تخلل في الخمائل خلته * صلا يحاذر وقع نصل يمرق تتراقص الأغصان من فرح بها * ويمر بالأنهار وهو يصفق قد اخضرت بأزهار الحدائق روضها، وأعشبت بأنوار الخمائل أرضها، وتأرج بنفحات الرياحين ونسمات البساتين طولها وعرضها، كأنها حقائب تجار، أو بيت