قبل الإسلام، حيث وجدنا بين آثار مدينة الحيرة القديمة (كنيدرة) قنوات تحت الأرض تخترق آثار مباني المدينة القديمة وتصب في منخفضات طف الحيرة (بين النجف وأبو صخير) والذي كان يحملنا على الاعتقاد القوي بأن نهر السدير وكري سعد واحد، وإنما وجد هذا الاختلاف في التسمية، وكان سببه اختلاف الحكومات العربية وتعاقبها على هذه المنطقة في غابر العصور، ويمكننا التدليل على صحة هذا الظن بما هو مشاهد في العصر الحاضر، حيث نرى اليوم أسماء الترع والأنهر بل وأغلب المشاريع تتبدل أسماؤها باعتبار الحكومات المتعاقبة من وقت لآخر، كنهر النجف الحالي الذي كان يسمى بالسنية نسبة للسلطان عبد الحميد في عهد الدولة العثمانية، وقد سمي اليوم بعد إحيائه ثانيا باسم الملك الغازي (عاهل البلاد) (1)، وكذلك نهر البديرية في ناحية الحيرة، فإنه سمي اليوم الفيصلي، نسبة إلى فيصل الأول، وعلى هذه القاعدة المطردة في التاريخ - القديم والحديث - ينبغي أن يكون قد تبدل اسم السدير للنعمان على عهد فاتح هذه الديار سعد بن أبي وقاص، فسمي بكري سعد، لأن الأرض كما نرى واحدة، والنهر واحد لا غير، والتاريخ يعيد نفسه في كل الأمور، كما كنا نرى في هذه الرقعة من الأرض آثارا متصلة بعضها ببعض يسمى طرف منها آثار الحيرة والطرف الآخر يسمى آثار الكوفة، وهي مدينة واحدة تتطور أسماؤها بحسب مقتضيات الظروف والحوادث من شتى وجوه التسمية.
وعلى كل فقد تبين لنا من التتبعات المقترنة باستقرآتنا الفنية بالمسح الطبوغرافي الحديث الذي بين لنا وضعية ارتفاعات وانخفاضات الأراضي في هذه الديار، بأن هذا النهر هو المصدر الوحيد لإرواء هذه المدن العربية القديمة على ظهر كوفان، من طريق طف كربلاء، وكان يجري ماؤه كلما تمركز نفوذ العرب على هذا السنام المرتفع بين أراضي الفرات الأوسط، سواء كان ذلك في زمن حكومات بابل أو المناذرة أو غيرهما في الحيرة قبل الإسلام أو في الكوفة بعد الإسلام، ولا ريب في أن منبعه أنبار الحبانية في لواء الدليم.
نعم، إن آثاره كانت تدلنا على أنه يجري ماؤه كلما ارتفع مستوى الماء في أعالي الفرات، سواء كان بواسطة الخزن في الأنبار المار الذكر، أو بالسدود الفنية، وكان