الروم واليونان، فعظمت الحركة الاقتصادية فيها وفاض المال، حتى أن أهالي الحيرة من سعة ذات اليد كانوا أولا يتعاملون بالذهب وزنا، فقد ابتاع أوس بن قلام لأيوب ابن معروف أرضا لبناء دار بثلاثمائة أوقية ذهبا وأنفق على عمارتها مأتي أوقية، وكان من العباديين نصارى الحيرة الصيارفة والتجار.
ولما جاء دور الكوفة نشأت فيها مدينة الرزق كما يقول البلاذري (1)، أو دار الرزق التي أنهضها المسلمون في الكوفة، ومثلها في البصرة والفسطاط، وكان يجمع في هذه الدار متاع المقاتلة أولا، ثم أصبحت دار مضاربة اقتصادية، وقد لعبت هذه الدار دورا مهما في الكوفة أثناء الفتن، وموقع هذه الدار كان قريبا من شارع اليهود بين الجسر في شرقي الكوفة وبين المحل المعروف ب (النبي يونس)، ومقام النبي يونس اليوم معروف في قصبة الكوفة قائم على النهر في وسط العمارات من الشمال الغربي للجامع، وعلى هذا فدار الرزق أو مدينة الرزق يكون موقعها في محل السوق المعروف اليوم بسوق آل شمسة أو قريبا منه، وكانت أسواق الكوفة تنتظم من قصر الإمارة وموقعه شرقي الجامع وإلى جنبه إلى دار الوليد بن عقبة من جهة، ومن الجهة الأخرى إلى مساكن ثقيف وأشجع، وموقعها اليوم ما بين الشرقي للجامع إلى ما يقارب مسجد سهيل (السهلة)، لأن هذه الأسواق تتصل بالكناسة والكناسة - كما ستعرفه - في ذلك المكان، وكانت هذه الأسواق مغطاة بالحصر وعلى عهد خالد القسري عقدت بالحجارة، وكان في هذه الأسواق محكمة القضاء يجلس فيها المحتسب، وفي هذه الأسواق الصيارفة والمسلفون (2)، وفيها دكاك العبيد ومحلات المراهنين على الحيوانات العاملة يجمعونها في الكناسة، وكانت الصيرفة عملا كبيرا ورابحا في الكوفة، لأنها كانت تمون المؤامرات والأحداث بصفقات رابحة، وكان المسلفون والصرافون يمتلكون ناحية البلد بعملهم هذا، ومن هنا تعهد الصيرفي ابن مقرن للمنصور في عام 145 للهجرة بالدعة والطمأنينة في الكوفة، وقد أتقنت الكوفة عمل الصيرفة ونظمته على شبه (بنوكة اليوم) وصيارفة اليهود في بغداد اليوم مدينون للكوفة بعملهم، لأن الكوفة كانت تدير المدائن بعملها الصيرفي مباشرة وكان في المدائن أقلية مسيحية برعت في الصيرفة، حتى أصبحت الواسطة