قال أبو زكريا النووي: والمراد به هنا ما يتغشى القلب. قال القاضي - يعني أبا الفضل عياض -: قيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه، قال:
وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته، وأمورهم، ومحاربة العدو ومداراته، وتألف المؤلفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه، فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، في حضوره مع الله - تعالى -، ومشاهدته، ومراقبته، وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك.
وقيل: إن هذا الغين هي السكينة التي تغشي قلبه لقوله - تعالى -: ﴿فأنزل السكينة عليهم﴾ (1) ويكون استغفاره إظهارا للعبودية والانقياد، وملازمة الخضوع، وشكرا لما أولاه، وقد قال المحاسبي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله.
وقيل: يحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام، تغشي القلب، ويكون استغفاره شكرا كما سبق، وهو شئ يعتري القلوب الصافية، كما تتحدث به النفس فهو يشبهها.