وقال قوم: الفتح القريب: مكة، وهذا ضعيف لأن فتح مكة كان بعد ذلك، قال ابن عطية: ويحسن أن يكون الفتح هذا اسم جنس يعم كل ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ظهور وفتح عليه.
وقال الواقدي في (مغازيه) (1): قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في النوم أنه دخل البيت، وحلق رأسه، وأخذ مفتاح البيت وعرف مع المعرفين (2)، فاستنفر أصابه إلى العمرة، فأسرعوا وتهيأ للخروج، وخرج أصحابه معه لا يشكون في الفتح للرؤيا التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق قصة الحديبية إلى أن قال: فلما وقعت هذه القضية أسلم في الهدنة أكثر ممن كان أسلم من يوم دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم الحديبية، وما كان في الإسلام فتح أعظم من يوم الحديبية، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصلح لأنهم خرجوا لا يشكون في الفتح لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت، وأخذ مفتاح الكعبة، وعرف مع المعرفين فلما رأوا الصلح، دخل الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا يهلكوا.
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله تبارك وتعالى عنه - ورجال معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرف مع المعرفين، وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكة وأعرف مع المعرفين، ثم أقبل على عمر فقال: أنسيتم يوم أحد وأنا أدعوكم: (إذ تصعدون لا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم)؟ أنسيتم يوم الأحزاب: (إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر)؟ أنسيتم يوم كذا؟ وجعل يذكرهم أمورا، فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، يا رسول الله ما فكرنا فيما فكرت فيه، لأنت أعلم بالله وبأمره منا، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام القضية