ففعلوا وسلمه إليه فدخلوا به بغداد، وتلقاه الرشيد وأكرمه وأجزل له في العطاء، وخدمه آل برمك خدمة عظيمة، بحيث أن يحيى بن خالد كان يقول: خدمته بنفسي وولدي: وعظم الفضل عند الرشيد جدا بهذه الفعلة حيث سعى بالصلح بين العباسيين والفاطميين، ففي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة يمدح الفضل بن يحيى ويشكره على صنيعه هذا:
ظفرت فلا شلت يد برمكية * رتقت بها الفتق الذي بين هاشم على حين أعيا الراتقين التئامه * فكفوا وقالوا ليس بالمتلائم فأصحبت قد فازت يداك بخطة * من المجد باق ذكرها في المواسم وما زال قدح الملك يخرج فائزا * لكم كلما ضمت قداح المساهم قالوا: ثم إن الرشيد تنكر ليحيى بن عبد الله بن حسن وتغير عليه، ويقال: إنه سجنه ثم استحضره وعنده جماعات من الهاشميين، وأحضر الأمان الذي بعث به إليه فسأل الرشيد محمد بن الحسن عن هذا الأمان أصحيح هو؟ قال: نعم! فتغيظ الرشيد عليه. وقال أبو البختري: ليس هذا الأمان بشئ فأحكم فيه بما شئت، ومزق الأمان. وبصق فيه أبو البختري، وأقبل الرشيد على يحيى (1) ابن عبد الله فقال: هيه هيه، وهو يبسم تبسم الغضب، وقال: إن الناس يزعمون أنا سممناك. فقال يحيى: يا أمير المؤمنين إن لنا قرابة ورحما وحقا، فعلام تعذبني وتحبسني؟ فرق له الرشيد، فاعترض بكار (2) بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير فقال: يا أمير المؤمنين لا يغرنك هذا الكلام من هذا، فإنه عاص شاق، وإنما هذا منه مكر وخبث. وقد أفسد علينا مدينتنا وأظهر فيها العصيان فقال له يحيى: ومن أنتم عافاكم الله؟ وإنما هاجر أبوك إلى المدينة بآبائي وآباء هذا ثم قال يحيى: يا أمير المؤمنين لقد جاءني هذا حين قتل أخي محمد بن عبد الله فقال: لعن الله قاتله، وأنشدني فيه نحوا من عشرين بيتا، وقال لي، إن تحركت إلى هذا الامر فأنا من يبايعك، وما يمنعك أن تلحق بالبصرة وأيدينا معك؟ قال: فتغير وجه الرشيد ووجه الزبيري وأنكر وشرع يحلف بالايمان المغلظة إنه لكاذب في ذلك، وتحير الرشيد. ثم قال ليحيى: أتحفظ شيئا من المرثية؟ قال: نعم. وأنشده منها جانبا (3). فازداد الزبيري في الانكار، فقال له يحيى بن عبد الله، فقل: إن كنت كاذبا فقد برئت من حول الله وقوته، ووكلني الله إلى حولي وقوتي. فامتنع من الحلف بذلك، فعزم عليه الرشيد وتغيظ عليه، فحلف بذلك