ودجلتها شطان قد نظما لنا * بتاج إلى تاج وقصر إلى قصر ثراها كمسك والمياه كفضة * وحصباؤها مثل اليواقيت والدر وقد أورد الخطيب في هذا أشعارا كثيرة وفيما ذكرنا كفاية. وقد كان الفراغ من بناء بغداد في هذه السنة - أعني سنة ست وأربعين ومائة - وقيل في سنة ثمان وأربعين، وقيل إن خندقها وسورها كملا في سنة سبع وأربعين، ولم يزل المنصور يزيد فيها ويتأنق في بنائها حتى كان آخر ما بنى فيها قصر الخلد، فظن أنه يخلد فيها، أو أنها تخلد فلا تخرب، فعند كماله مات. وقد خربت بغداد مرات كما سيأتي بيانه.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة عزل المنصور سلم بن قتيبة عن البصرة وولى عليها محمد بن سليمان بن علي، وذلك لأنه كتب إلى سلم يأمره بهدم بيوت الذين بايعوا إبراهيم بن عبد الله بن حسن فتوانى في ذلك فعزله، وبعث ابن عمه محمد بن سليمان فعاث بها فسادا، وهدم دورا كثيرة. وعزل عبد الله بن الربيع عن إمرة المدينة وولى عليها جعفر بن سليمان، وعزل عن مكة السري بن عبد الله وولى عليها عبد الصمد بن علي. قال: وحج بالناس في هذه السنة عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي قاله الواقدي وغيره. قال: وفيها غزا الصائفة من بلاد الروم جعفر بن حنظلة البهراني.
وفيها توفي من الأعيان أشعث بن عبد الملك، وهشام بن السائب الكلبي، وهشام بن عروة. ويزيد ابن أبي عبيد في قول.
ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائة فيها أغار اشتر خان الخوارزمي في جيش من الأتراك على ناحية أرمينية فدخلوا تفليس وقتلوا خلقا كثيرا وأسروا كثيرا من المسلمين وأهل الذمة، وممن قتل يومئذ حرب بن عبد الله الراوندي الذي تنسب إليه الحربية (1) ببغداد، وكان مقيما بالموصل في ألفين لمقابلة الخوارج، فأرسله المنصور لمساعدة المسلمين ببلاد أرمينية، وكان في جيش جبريل بن يحيى، فهزم جبريل وقتل حرب رحمه الله. وفي هذه السنة كان مهلك عبد الله بن علي عم المنصور.
وهو الذي أخذ الشام من أيدي بني أمية، كان عليها واليا حتى مات السفاح، فلما مات دعا إلى نفسه فبعث إليه المنصور أبا مسلم الخراساني فهزمه أبو مسلم وهرب عبد الله إلى عند أخيه سليمان بن علي والي البصرة فاختفى عنده مدة ثم ظهر المنصور على أمره فاستدعى به وسجنه، فلما كان في هذه السنة عزم المنصور على الحج فطلب عمه عيسى بن موسى - وكان ولي العهد من بعد المنصور عن وصية