يداه في الجود ضرتان * عليه كلتاهما تغار لم تأت منه اليمين شيئا * إلا أتت مثله اليسار قال: فأعطاه التي في يساره أيضا. قال الخطيب: وقد رويت هذه الأبيات لعلي بن هارون البحتري في المتوكل. وروى ابن عساكر عن علي بن الجهم قال: وقفت فتحية حظية المتوكل بين يديه وقد كتبت على خدها بالغالية جعفر فتأمل ذلك ثم أنشأ يقول:
وكاتبة في الخد بالمسك جعفرا * بنفسي تحط المسك من حيث أثرا لئن أودعت سطرا (1) من المسك خدها * لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا فيا من مناها في السريرة جعفر * سقا الله من سقيا ثناياك جعفرا (2) ويا من لمملوك بملك يمينه * مطيع له فيما أسر وأظهرا قال ثم أمر المتوكل عربا فغنت به. وقال الفتح بن خاقان: دخلت يوما على المتوكل فإذا هو مطرق مفكر فقلت: يا أمير المؤمنين ما لك مفكر؟ فوالله ما على الأرض أطيب منك عيشا، ولا أنعم منك بالا. قال: بلى أطيب مني عيشا له دار واسعة وزوجة صالحة ومعيشة حاضرة، لا يعرفنا فنؤذيه، ولا يحتاج إلينا فنزدريه. وكان المتوكل محببا إلى رعيته قائما في نصرة أهل السنة، وقد شبهه بعضهم بالصديق في قتله أهل الردة، لأنه نصر الحق ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين. وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية. وقد أظهر السنة بعد البدعة، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله. وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهو جالس في نور قال فقلت: المتوكل؟ قال:
المتوكل. قلت: فما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بقليل من السنة أحييتها. وروى الخطيب عن صالح بن أحمد أنه رأى في منامه ليلة مات المتوكل كأن رجلا يصعد به إلى السماء وقائلا يقول:
ملك يقاد إلى مليك عادل * متفضل في العفو ليس بحائر وروى عن عمرو بن شيبان الحلبي قال: رأيت ليلة المتوكل قائلا يقول:
يا نائم العين في أوطان جثمان * أفض دموعك يا عمرو بن شيبان