وقال ابن الأعرابي: سأل رجل ابن أبي دؤاد أن يحمله على عير فقال: يا غلام اعطه عيرا وبغلا وبرذونا وفرسا وجارية. وقال له: لو أعلم مركوبا غير هذا لأعطيتك. ثم أورد الخطيب بأسانيده عن جماعة أخبارا تدل على كرمه وفصاحته وأدبه وحلمه ومبادرته إلى قضاء الحاجات، وعظيم منزلته عند الخلفاء. وذكر عن محمد المهدي بن الواثق أن شيخا دخل يوما على الواثق فسلم فلم يرد عليه الواثق بل قال: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين بئس ما أدبك معلمك. قال الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [النساء: 86] فلا حييتني بأحسن منها ولا رددتها. فقال ابن أبي دؤاد يا أمير المؤمنين الرجل متكلم. فقال: ناظره. فقال ابن أبي دؤاد: ما تقول يا شيخ في القرآن أمخلوق هو؟ فقال الشيخ: لم تنصفني، المسألة لي. فقال: قل. فقال: هذا الذي تقوله علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو ما علموه؟ فقال ابن أبي دؤاد: لم يعلموه. قال: فأنت علمت ما لم يعلموا، فخجل وسكت. ثم قال أقلني بل علموه، قال: فلم لا دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت، أما يسعك ما وسعهم؟ فخجل وسكت وأمر الواثق له بجائزة نحو أربعمائة دينار فلم يقبلها. قال المهدي: فدخل أبي المنزل فاستلقى على ظهره وجعل يكرر قول الشيخ على نفسه ويقول:
أما وسعك ما وسعهم؟ ثم أطلق الشيخ وأعطاه أربعمائة دينار ورده إلى بلاده، وسقط من عينيه ابن أبي دؤاد ولم يمتحن بعده أحدا. ذكره الخطيب في تاريخه بإسناد فيه بعض من لا يعرف، وساق قصته مطولة. وقد أنشد ثعلب عن أبي حجاج الأعرابي أنه قال في أبي دؤاد:
نكست الدين يا بن أبي دؤاد * فأصبح من أطاعك في ارتداد زعمت كلام ربك كان خلقا * أما لك عند ربك من معاد كلام الله أنزله بعلم * على جبريل إلى خير العباد (1) ومن أمسى ببابك مستضيفا * كمن حل الفلاة بغير زاد لقد أطرفت يا بن أبي دؤاد * بقولك إنني رجل إيادي ثم قال الخطيب: أنبأ القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال: أنشدنا المعافى بن زكريا الجريري عن محمد بن يحيى الصولي لبعضهم يهجو ابن أبي دؤاد:
لو كنت في الرأي منسوبا إلى رشد * وكان عزمك عزما فيه توفيق وقد تقدمت هذه الأبيات.
وروى الخطيب عن أحمد بن الموفق أو يحيى الجلاء أنه قال: ناظرني رجل من الواقفية في خلق القرآن فنالني منه ما أكره، فلما أمسيت أتيت امرأتي فوضعت لي العشاء فلم أقدر أن أنال منه شيئا، فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الجامع وهناك حلقة فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، فجعل