حمص إلى دار العباس بن الوليد التي عندهم فهدموها، وحبسوا أهله وبنيه، وهرب هو من حمص فلحق بيزيد بن الوليد إلى دمشق، وأظهر أهل حمص الاخذ بدم الوليد بن يزيد، وأغلقوا أبواب البلد، وأقاموا النوائح والبواكي على الوليد، وكاتبوا الأجناد في طلب الاخذ بالثأر، فأجابهم إلى ذلك طائفة كبيرة منهم، على أن يكون الحكم بن الوليد بن يزيد الذي أخذ له العهد هو الخليفة، وخلعوا نائبهم، وهو مروان بن عبد الله بن عبد الملك بن مروان، ثم قتلوه وقتلوا ابنه وأمروا عليهم معاوية بن يزيد بن حصين، فلما انتهى خبرهم إلى يزيد بن الوليد كتب إليهم كتابا مع يعقوب بن هانئ، ومضمون الكتاب أنه يدعو إلى أن يكون الامر شورى، فقال عمرو بن قيس: فإذا كان الامر كذلك فقد رضينا بولي عهدنا الحكم بن الوليد، فأخذ يعقوب بلحيته وقال: ويحك! لو كان هذا الذي تدعو إليه يتيما تحت حجرك لم يحل لك أن تدفع إليه ماله، فكيف أمر الأمة، فوثب أهل حمص على رسل يزيد بن الوليد فطردوهم عنهم وأخرجوهم من بين أظهرهم. وقال لهم أبو محمد السفياني: لو قدمت دمشق لم يختلف علي منهم اثنان، فركبوا معه وساروا نحو دمشق وقد أمروا عليهم السفياني، فتلقاهم سليمان بن هشام في جيش كثيف قد جهزهم معه يزيد، وجهز أيضا عبد العزيز بن الوليد (1) في ثلاثة آلاف يكونون عند ثنية العقاب، وجهز هشام بن مصاد المزي في ألف وخمسمائة ليكونوا على عقبة السلمية (2)، فخرج أهل حمص فساروا وتركوا جيش سليمان بن هشام ذات اليسار وتعدوه، فلما سمع بهم سليمان ساق في طلبهم فلحقهم عند السليمانية فجعلوا الزيتون عن أيمانهم والجبل عن شمائلهم والجباب (3) من خلفهم، ولم يبق تخلص إليهم إلا من جهة واحدة، فاقتتلوا هنالك في قبالة الحر قتالا شديدا، فقتل طائفة كثيرة من الفريقين، فبينما هم كذلك إذ جاء عبد العزيز بن الوليد بمن معه فحمل على أهل حمص فاخترق جيشهم حتى ركب التل الذي في وسطهم، وكانت الهزيمة، فهرب أهل حمص وتفرقوا، فأتبعهم الناس يقتلون ويأسرون، ثم تنادوا بالكف عنهم على أن يبايعوا ليزيد بن الوليد، وأسروا منهم جماعة، منهم أبو محمد السفياني ويزيد بن خالد [بن يزيد] (4) بن معاوية، ثم ارتحل سليمان وعبد العزيز فنزلا عذراء ومعهم الجيوش وأشراف الناس، وأشراف أهل حمص من الأسارى ومن استجاب من غير أسر، بعدما قتل منهم ثلاثمائة نفس، فدخلوا بهم على يزيد بن الوليد، فأقبل عليهم وأحسن إليهم وصفح عنهم، وأطلق الأعطيات لهم، لا سيما لأشرافهم، وولى عليهم الذي اختاروه وهو معاوية بن يزيد بن الحصين، وطابت عليه أنفسهم، وأقاموا عنده في دمشق سامعين مطيعين له.
(١٤)