سألته الجارية الخثعمية، وقالت: يا رسول الله إن أبي أدركته الوفاة، وعليه فريضة الحج فإن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال، عليه السلام: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أكان ينفعه ذلك؟ فقالت: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء (1).
فالخثعمية إنما سألت عن الحج، والنبي، عليه السلام، ذكر دين الآدمي والحج من حيث هو دين، نظير لدين الآدمي، فذكره لنظير المسؤول عنه، مع ترتيب الحكم عليه يدل على التعليل به، وإلا كان ذكره عبثا.
ويلزم من كون نظير الواقعة علة للحكم المرتب عليها، أن يكون المسؤول عنه أيضا علة لمثل ذلك الحكم، ضرورة المماثلة.
وما مثل هذا يسميه الأصوليون التنبيه على أصل القياس. فكأنه نبه على الأصل، وعلى علة حكمه، وعلى صحة إلحاق المسؤول عنه بواسطة العلة المومي إليها.
وليس من هذا القبيل ما مثل به بعض الأصوليين، وذلك كما روي عن عمر أنه سأل النبي، عليه السلام عن قبلة الصائم: هل تفسد الصوم؟ فقال عليه السلام:
أرأيت لو تمضمضت، أكان ذلك يفسد الصوم؟ فقال: لا وذلك لان النبي، عليه السلام، إنما ذكر ذلك بطريق النقض، لما توهمه عمر من كون القبلة مفسدة للصوم، لكونها مقدمة للوقاع المفسد للصوم، فنقض النبي، عليه السلام ذلك بالمضمضة، فإنها مقدمة للشرب المفسد للصوم، وليست مفسدة للصوم.
أما أن يكون ذلك تنبيها على تعليل عدم الافساد بكون المضمضة مقدمة للفساد فلا.
وذلك لان كون القبلة والمضمضة مقدمة لافساد الصوم، ليس فيه ما يتخيل أن يكون مانعا من الافطار، بل غايته أن لا يكون مفطرا، فكان الأشبه بما ذكره النبي، عليه السلام، أن يكون نقضا، لا تعليلا.
وأيضا فإن الأصل أن يكون الجواب مطابقا للسؤال، لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه