ثم القائلون بجواز تخصيصها اتفقوا على جواز تخصيص العلة المنصوصة.
واختلفوا: في جواز تخصيص المستنبطة إذا لم يوجد في محل التخلف مانع ولا فوات شرط، فمنع منه الأكثرون وجوزه الأقلون.
والقائلون بالمنع في تخصيص العلة المستنبطة اختلفوا في جواز تخصيص العلة المنصوصة.
والمختار إنما هو التفصيل، وهو أن يقال: العلة الشرعية لا تخلو إما أن تكون قطعية أو ظنية:
فإن كانت قطعية، فتخلف الحكم عنها لا يخلو إما أن يكون لا بدليل أو بدليل. لا جائز أن يقال بالأول، لأنه محال.
وان كان الثاني: فالدليل اما ظني أو قطعي، والظني لا يعارض القطعي، وتعارض قاطعين أيضا محال، الا ان يكون أحدهما ناسخا للآخر وإن كانت ظنية، فتخلف الحكم عنها إما في معرض الاستثناء أولا في معرض الاستثناء:
فإن كان الأول كتخلف إيجاب المثل في لبن المصراة عن العلة الموجبة له وهي تماثل الاجزاء، بالعدول إلى إيجاب صاع من التمر، وتخلف وجوب الغرامة عمن صدرت عنه الجناية في باب ضرب الدية على العاقلة، وتخلف حكم الربا مع وجود الطعم في العرايا ونحوه، فذلك مما لا يدل على بطلان العلة، بل تبقي حجة فيما وراء صورة الاستثناء، وسواء كانت العلة المخصوصة منصوصة أو مستنبطة، وذلك لان الدليل من النص أو الاستنباط قد دل على كونها علة، وتخلف الحكم حيث ورد بطريق الاستثناء عن قاعدة القياس كان مقررا لصحة العلة لا ملغيا لها.
وأما إن كان تخلف الحكم عنها لا بطريق الاستثناء فلا يخلو إما أن تكون العلة منصوصة أو مستنبطة: فإن كانت منصوصة فلا يخلو إما أن يمكن حمل النص على أن الوصف المنصوص عليه بعض العلة، وذلك