ولا انتشر فلا يكون إجماعا. وقالت طائفة: إنما يكون إجماعا إذا كان من قول أحد الأئمة الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فقط وانتشر مع ذلك، وإلا فليس إجماعا وإن كان من قول غيرهم فلا يكون حجة وإن انتشر. وقالت طائفة: ليس شئ من ذلك إجماعا ولكنه حجة.
قال أبو محمد: فإنما قال من قال منهم هذه الأقوال، عند ظفره بشئ منها مع انقطاع الحبل بيده وعدمه شيئا ينصر به خطأه وتقليده، ثم هم أترك الناس لذلك إذا خالف تقليدهم، لا مؤنة عليهم في إبطال ما صححوا وتصحيح ما أبطلوا في الوقت، إنما حسب أحدهم نصر المسألة الدائرة بينه وبين خصمه في حينه ذلك، فإذا انتقلا إلى أخرى فأخف شئ على كل واحد منهم تصحيح ما أبطل في المسألة التي انقضى الكلام، وإبطال ما صحح فيها. فقد ذكر الأجهري محمد بن صالح المالكي عن ابن بكير وكل واحد منهم من جملة مذهب مالك ومقلديه: أنه كانت أصوله مبنية على فروعه، إذا خرج قوله في مسألة على العموم قال: من قولي العموم وإذا خرج قوله في أخرى على الخصوص، قال من قولي الخصوص.
ولقد رأيت لعبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي في كتابه المعروف بشرح الرسالة في باب من يعتق على المرء إذا ملكه فذكر قول داود: لا يعتق أحد على أحد، وذكر قول أبي حنيفة: يعتق كل ذي رحم محرم. فقال: من حجتنا على داود قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك ذا رحم محرم فهو حر وهذا نص جلي. ثم صار إلى قول أبي حنيفة بعد ستة أسطار فقال: فإن احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: من ملك ذا رحم محرم فهو حر قلنا: هذا خبر لا يصح.
ولا أحصي كم وجدت للحنفيين والمالكيين والشافعيين تصحيح رواية ابن لهيعة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إذا كان فيها ما يوافق تقليدهم في مسألتهم تلك، ثم ربما أتى بعدها بصفحة أو ورقة أو أوراق احتجاج خصمهم عليهم برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أو برواية ابن لهيعة، فيقولون: هذه صحيفة، وابن لهيعة ضعيف.
قال أبو محمد: وهذا فعل من لا يتقي الله عز وجل، ومن عمله يوجب سوء الظن بباطن معتقده، ونعوذ بالله من الخذلان قال الله تعالى: * (يحلونه عاما