وعمالهما يترددون على هذه البلاد، ووفود هذه البلاد يفدون عليهما كل عام أم لم يتركا ذلك، بل علماهم كل ما يجب علمه من الدين؟ ولا بد من أحد هذه الأقسام، فإن قالوا: تعمدنا كتمان الدين عنهم أو ضيعوا ذلك، كذبوا جهارا، ونسبوا الخليفتين الفاضلين إلى ما قد نزههما الله تعالى عنه، مما هو أعظم الجور وأشد الفسق، بل هو الانسلاخ من الاسلام، وإن قالوا: ما تركا ذلك، علماهم كل ما يجب علمه والعمل به من الدين. قلنا: صدقتم وقد ثبت بهذا أن أهل المدينة وغيرهم سواء في المعرفة والعلم والعدالة، وظهر فساد دعواهم الكاذبة في دعوى إجماع أهل المدينة.
أنبأنا محمد بن سعيد بن بنات، نا أحمد بن عون الله، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن عبد السلام الخشني، نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر - غندر -، نا شعبة، نا أبو إسحاق السبيعي قال: سمعت حارثة بن مضرب قال: قرأت كتاب عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة: إني بعثت عليكم عمارا أميرا، وعبد الله معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر فخذوا عنهما، واقتدوا بهما، فإنني آثرتكم بعبد الله على نفسي إثرة.
حدثني أحمد بن عمر بن أنس العدوي، نا عبد الله بن الحسين بن عقال، نا إبراهيم بن محمد الدينوري، نا محمد بن أحمد بن محمد بن الجهم، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، نا أحمد بن يونس، نا قيس بن أشعث، عن الشعبي قال: ما جاءك عن عمر فخذ به، فإنه كان إذا أراد أمرا استشار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا أجمعوا على شئ كتب به فهذا تعليم عمر ما عنده من العلم لأهل الأمصار، فصار الامر في المدينة وغيرها سواء.
وأيضا فنقول لهم: إذا كان إجماع أهل المدينة عندكم هو الاجماع، ومن قولكم إن من خالف الاجماع كافر، فتكفرون كل من خالف إجماع أهل المدينة بزعمكم أم لا؟ فإن قالوا: نعم لزمهم تكفير ابن مسعود وعلي، وكل من روي عنه فتيا مخالفة لما يدعون فيه إجماع أهل المدينة من صاحب أو تابع فمن دونهم، وفي هذا ما فيه، وإن أبوا من ذلك قلنا لهم: كذبتم في الدعوى إن إجماعهم هو الاجماع، فارجعوا عن ذلك واقتصروا على أن تقولوا صوابا أو حقا ونحو ذلك.