الصحابة، هذا لا ينكره مسلم، ومن أنكره كفر وحل دمه، فيا هؤلاء هبكم جسرتم على دعوى العلم بقول عشرات ألوف من الناس من الصحابة - وإن لم بلغكم عنهم فيما ادعيتم إجماعهم عليه كلمة - أتراكم يمكنكم الجسر على دعوى إجماع أولئك الصحابة من الجن على ما تدعون بظنكم الكاذب الاجماع عليه؟
لئن أقدمكم على ذلك القاسطون من شياطين الجن فانقدتم لهم لتضاعف فضيحة كذبكم وليلوحن إفككم لكل صغير وكبير، ولئن ردعكم عن ذلك رادع ليبطل دعواكم الاجماع. وهذا لا مخلص منه، فإنهم كسائر الصحابة، مأمورون منهيون، مؤمنون موعودون متوعدون، ولا فرق.
إن قالوا: إن شرائعهم غير شرائعنا قلنا: كذبتم، بل شرائعنا وشرائعهم سواء لتصديق الله تعالى لهم في قولهم: * (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون) * والاسلام واحدا إلا ما جاء به نص صحيح بأنهم خصوا به، كما خصوا أيضا طوائف من الناس كقريش بالإمامة، وبني عبد المطلب بالخمس من الخمس، ونحو ذلك. ثم انقضى عصر الصحابة رضي الله عنهم، وأتى عصر التابعين، فملؤوا الأرض بلاد خراسان وهي مدن عظيمة كثيرة وقرى لا يحصيها إلا خالقها عز وجل، وكابل، وفارس، وأصبهان، والأهواز، والجبال وكرمان وسجستان ومكران، والسودان، والعراق، والموصل، والجزيرة وديار ربيعة وأرمينية وأذربيجان والحجاز واليمن والشام، ومصر والجزائر وإفريقية وبلاد البربر، وأرض الأندلس ليس فيها قرية كبيرة إلا وفيها من يفتي، ولا فيها مدينة إلا وفيها مفتون، فمن الجاهل القليل الحياء المدعي إحصاء أقوال كل مفتي في جميع هذه البلاد، مذ أفتوا إلى أن ماتوا؟ إن كل واحد يعلم ضرورة أنه كذاب آفك ضعيف الدين، قليل الحياء فبطل دعوى الاجماع كما بطل كل محال مدعي إلا حيث ذكرنا قبل فقط.
فإن قالوا: إنما يقول المرء: هذا إجماع عندي فقط، قلنا: قوله هذا كلا قول لان الاجماع عنده إذا لم يكن إجماعا عند غيره، فمن الباطل أن يكون الشئ مجمع عليه عند غير مجمع عليه معا. وأيضا فإن قوله: هذا إجماع عندي باطل لأنه منهي عن القطع بظنه، فمعنى قوله هذا إنما هو أنه يظن إجماع، وقد