منه تحيد) * فرده عليه القرشي تحيد التنوين، فراجعه القارئ وكان يحسن النحو، فلج المقرئ وثبت على التنوين وانتشر ذلك الخبر إلى أن بلغ إلى يحيى بن مجاهد الفزاري الالبيري، وكان منقطع القرين في الزهد والخير والعقل، وكان صديقا لهذا المقرئ، فمضى إليه فدخل عليه، وسلم عليه وسأله عن حاله. ثم قال له: إنه بعد عهدي بقراءة القرآن على مقرئ فأردت تجديد ذلك عليك، فسارع المقرئ إلى ذلك، فقال له الفزاري: أريد أن أبتدئ بالمفصل، فهو الذي يتردد في الصلوات فقال له المقرئ: ما شئت، فبدأ عليه من أول المفصل، فلما بلغ سورة ق، وبلغ الآية المذكورة ردها عليه المقرئ بالتنوين، فقال له يحيى ابن مجاهد: لا تفعل ما هي إلا غير منونة بلا شك، فلج المقرئ. فلما رأى يحيى ابن مجاهد لجاجه قال له: يا أخي إنه لم يحملني على القراءة عليك إلا لترجع إلى الحق في لطف، وهذه عظيمة أوقعك فيها قلة علمك بالنحو، فإن الافعال لا يدخلها تنوين البتة، فتحير المقرئ إلا أنه لم يقنع بهذا، فقال يحيى بن مجاهد بيني وبينك المصاحف، فبعثوا فأحضرت جملة من مصاحف الجيران، فوجدوها مشكولة بلا تنوين، فرجع المقرئ إلى الحق.
وحدثني حمام بن أحمد بن حمام قال: حدثني عبد الله بن محمد بن علي، عن اللخمي الباجي قال: نا محمد بن لبانة قال: أدركت محمد بن يوسف بن مطروح الأعرج يتولى صلاة الجمعة في جامع قرطبة، وكان عديم الورع، بعيدا عن الصلاح، قال:
فخطبنا يوم الجمعة فتلا في خطبته: * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) * فقرأها بنونين عننتم. قال: فلما انصرف أتيناه وكنا نأخذ عنه رأي مالك، فذكرنا له قراءته للآية وأنكرناها، فقال: نعم، هكذا أقرأناها، وهكذا هي، فلج فحاكمناه إلى المصحف فقام ليخرج المصحف ففتحه في بيته وتأمله، فلما وجد الآية بخلاف ما قرأها عليه أنف الفاسق من رجوعه إلى الحق فأخذ القلم وألحق ضرسا زائدا؟ قال محمد بن عمر: فوالله لقد خرج إلينا والنون لم يتم بعد جفوف مدادها.
قال أبو محمد: فالأول وأهم مغفل، والثاني فاسق خبيث، فلولا كثرة المصاحف بأيدي الناس لتشكك كثير من الناس في مثل هذا إذا شاهدوه ممن يظنون به خيرا أو علما، ولخفي الخطأ والتعمد. فمثل هذا تخويف عثمان رضي الله عنه، ولقد