إسقاط قراءة أنزلها الله تعالى، أو إسقاط آية أنزلها الله تعالى، ولا فرق، وتالله إن من أجاز هذا غافلا ثم وقف عليه وعلى برهان المنع من ذلك وأصر، فإنه خروج عن الاسلام لا شك فيه، لأنه تكذيب لله تعالى في قوله الصادق لنا:
* (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * وفي قوله الصادق: * (إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ئ ثم إن علينا بيانه) * فالكل مأمورون باتباع قرآنه الذي أنزله الله تعالى عليه وجمعه. فمن أجاز خلاف ذلك فقد أجاز خلاف الله تعالى، وهذه ردة صحيحة لا مرية فيها، وما رامت غلاة الروافض وأهل الالحاد الكائدون للاسلام إلا بعض هذا. وهذه الآية تبين ضرورة أن جميع القرآن كما هو من ترتيب حروفه وكلماته وآياته وسوره، حتى جمع كما هو، فإنه من فعل الله عز وجل وتوليه جمعه، أوحى به إلى نبيه عليه السلام، وبينه عليه السلام للناس، فلا يسع أحدا تقديم مؤخر من ذلك، ولا تأخير مقدم أصلا.
ونحن نبين فعل عثمان رضي الله عنه ذلك بيانا لا يخفى على مؤمن، ولا على كافر، وهو أنه رضي الله عنه علم أن الوهم لا يعزى منه بشر، وأن في الناس منافقين يظهرون الاسلام ويكنون الكفر، هذا أمر يعلم وجوده في العالم ضرورة، فجمع من حضره من الصحابة رضي الله عنهم على نسخ مصاحف مصححة كسائر مصاحف المسلمين إلى كل مصر مصحفا يكون عندهم، فإن وهم وأهم في نسخ مصحف، أو وتعمد ملحد تبديل كلمة في المصحف، أو في القراءة، رجع إلى المصحف المشهور المتفق على نقله ونسخه. فعلم أن الذي فيه هو الحق، وكيف كان يقدر عثمان على ما ظنه أهل الجهل؟ والاسلام قد انتشر من خراسان إلى برقة، ومن اليمن إلى أذربيجان، وعند المسلمين أزيد من مائة ألف مصحف، وليست قرية ولا حلة ولا مدينة إلا والمعلمون للقرآن موجودون فيها، يعلمونه من تعلمه، من صبي أو امرأة، ويؤمهم به في الصلوات في المساجد.
وقد حدثني يونس بن عبد الله بن مغيث قال: أدركت بقرطبة مقرئا يعرف بالقرشي، أحد مقرئين ثلاثة للعامة كانوا فيها، وكان هذا القرشي لا يحسن النحو فقرأ عليه قارئ يوما في سورة ق: * (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت