التشريع ليست على وتيرة واحدة فتارة امضاء السبب والمسبب العقلائي، وسببيتهما ولم يتصرف فيه الا تصرفا طفيفا من زيادة شرط وجزء، واخرى سلب السببية عن الأسباب العقلائية، وحصر السببية في سبب واحد كما في باب الطلاق، فإنه بمعنى الهجران عن الزوجة والزوجية أمر عقلائي كسائر الحقايق العقلائية متعارف عند كل منتحل بدين وغير منتحل، ولكنه سلب السببية عن كل الأسباب وحصرها في قول القائل: أنت طالق، و (ثالثة) بسط دائرة السببية والسبب، كما في باب الضمان، فان حصول الضمان بمجرد وضع اليد المستفادة من قاعدة اليد مما ليس منه بين العقلاء عين ولا اثر، إلى غير ذلك من الأقسام.
اما المخترعات الشرعية المحضة التي ليس لها سابقة عند العقلاء فهل يجب تعلق الجعل بكل واحد من السبب والمسبب أو يكفي تعلقه بأحدهما فاختار بعض أعاظم العصر الثاني قائلا بان جعل أحدهما يغنى من الاخر، فبناء على تعلق الجعل بالمسببات تكون الأسباب الشرعية كالأسباب العادية غير قابلة للوضع والرفع أقول: الاشتباه نشأ من مقايسة الأسباب الشرعية بالعلل التكوينية، فان الجعل في التكويني حقيقة يتعلق بوجود السبب وسببية السبب أو نفس المسبب مجعول بالعرض، فالجاعل جعل النار، لا جعل النار مؤثرا في الاحراق وهكذا نفس الاحراق واما المسببات الشرعية المحضة فبما ان أسبابه أيضا اختراعية لا عقلائية فلا يعقل كفاية تعلق الجعل بالمسببه دون سببه أو سببيته، لأن المفروض ان المسبب ليس أمرا عقلائيا بل اختراعيا، وما كان كذلك لا يعقل أن يكون له سبب عقلائي أو عقلي أو عادى، فلابد أن يكون سببه أيضا اختراعيا، فلابد من تعلق الجعل بالسبب ومسببه سواء تعلق ابتداءا بالسبب أو بالمسبب أو أدى كلاما يتكفل الجعلين ولا يخفى ان الجعل يتعلق بوصف السببية، أي يجعل ما لم يكن سببا سببا، فلو فرضنا ان قول القائل: ظهرك كظهر أمي ليس عند العقلاء محرما، وجعله الشارع سببا لحرمة ظهر زوجته فالجعل لم يتعلق بذات السبب أي الألفاظ بل بوصف السببية أي صير الشارع ما لم يكن سببا، سببا للتحريم، لان الجعل تعلق بالسبب، والسببية