ورابعا: لو سلمنا انحلال النهى عن ترك المأمور به إلى نهى مقطوع و مشكوك، فلا يوجب ذلك انحلال الدليل المولوي القائم على وجوب الامر المبين إلى ذلك لان اجراء البراءة في النواهي المتعددة المنحلة لا يوجب جريانها في الامر الواحد المتعلق بالمفهوم الواحد المبين، فان غاية القول بالانحلال لا يزيد عن انكار اقتضاء الامر بالشئ النهى عن ترك العام، ومعه لا محيص عن الخروج عن الاشتغال القطعي.
تمحيص الحق في الأسباب الشرعية وتوضيح الحال في عامة الأسباب سيوافيك بيانه في مبحث الاستصحاب عند البحث عن جريانه في الأحكام الوضعية، غير انا نشير في المقام إلى أمر هام: وهو ان السببية والمسببية في الأسباب العقلية والعادية أمور واقعية خارجة عن طوق الاعتبار فالشموس مضيئة، اعتبرها اللاحظ أولا.
واما الشرعية والعقلائية منهما فمن الأمور الاعتبارية القائمة باعتبار معتبرها شارعا كان أو عرفا، وليس معنى السببية كون الأسباب مؤثرات حقيقة في وجود المسببات، بحيث يحصل بعد اعمال الأسباب، وجود حقيقي في عالم التكوين لم يكن موجودا قبله فان السببية والتأثير والتأثر كلها من باب التشبيه والمجاز لان معنى قولنا: قول البايع " بعت " سبب لتحقق البيع في الخارج، هو ان المتكلم إذا أنشأ به بداعي الجد يصير موضوعا عند العقلاء لاثار عقلائية مترتبة على المعنى المنشأ اعتبارا بالصيغة، فالسبب وإن كان أمرا تكوينيا الا ان سببيته وتأثره وايجاده المعنى المنشأ كلها قائمة بالاعتبار.
ثم إن لبيان معنى تأثير الأسباب في المسببات في عالم الاعتبار، مقاما آخر، ولعلنا نستوفي البحث في مبحث الاستصحاب وان أوضحناه في هذا المقام في الدورة السابقة.
وليعلم ان الأسباب والمسببات الشرعية فيما إذا كانت دائرة بين العقلاء قبل