بلا مرجح و (عندئذ) يحكم بلا تأمل على التخيير وان زمام الواقعة في الارتكاب و عدمه بيد المكلف، وليس حكمه بالتخيير سوى ادراكه هذه المعاني، لا انه شئ آخر حتى يستبعد وجوده، هذا حكم العقل في المقام وان شئت قلت إذا كان طرفا الفعل والترك مساويا في نظر العقل يحكم بالتخيير بقبح الترجيح بلا مرجح فلا يبقى مترددا وبالجملة ادراك قبح الترجيح بلا مرجح ملازم لادراك التخيير وهذا هو حكمه بالتخيير ومجرد عدم خلو الانسان من إحدى النقيضين لا يوجب عدم حكم العقل بعدم التعيين الذي هو ادراك التخيير.
ثم إن بعض أعاظم العصر منع جريان الأصل العقلي قائلا بأنه انما يجرى فيما إذا كان في طرفي التخيير ملاك يلزم استيفائه ولم يتمكن المكلف من الجمع بين الطرفين فالتخيير العقلي فيه انما هو من التخيير التكويني حيث إن الشخص لا يخلو بحسب الخلقة من الأكوان الأربعة، لا التخيير الناشئ عن الملاك، فأصالة التخيير عند الدوران بين المحذورين ساقطة، (واما البراءة العقلية) فغير جارية لعدم الموضوع لها فان مدركها قبح العقاب بلا بيان، وفي دوران الامر بين المحذورين يقطع بعدم العقاب، لان وجود العلم الاجمالي كعدمه لا يقتضى التخيير والتأثير فالقطع بالمؤمن حاصل بنفسه بلا حاجة إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان (انتهى).
وفيه مالا يخفى اما أولا فلانه ما من واقعة من الوقائع الا وللعقل فيه حكم وادراك (إذا أحاط المورد بعامة خصوصياته وكان المورد قابلا لحكم العقل) ففي هذا الموضع اما ان يرى لاحد الطرفين ترجيحا أولا، فعلى الأول يحكم بتعين الاخذ به، وعلى الثاني يحكم بالتساوي والتخيير، كما تقدم آنفا أضف إلى ذلك ان كون الانسان غير خال عن الأكوان الأربعة أجنبي عن المقام، و (ثانيا) ان تخصيص أصالة التخيير على المتزاحمين الذي يشتمل كل واحد على ملاك، لا وجه له، فان العقل يدرك التخيير ويحكم به في أطراف العلم الاجمالي عند الاضطرار لترك واحد منهما أو فعله، مع أن الملاك قائم لواحد منهما فقط ولو نوقش فيه أقول لو وصل الضال إلى طريقين يعلم أن أحدهما طريق البلد ولا يكون ترجيح بينهما يدرك العقل التخيير ويحكم به من غير أن يكون في كليهما ملاك، واما ما افاده في جريان البراءة العقلية من أن كون العلم الاجمالي كعدمه، غير مفيد فان المؤمن مطلقا انما هو قاعدة قبح العقاب بلا