ذكره عند تثليث الأمور لكن يعلم من التدبر فيما سبق من المثالين فان غير المجمع عليه وغير الشاذ، من الأمور هو المشكل الذي يرد حكمه إلى الله ورسوله، وهذا هو الذي عبر عنه الإمام (ع) في رواية جميل بن صالح بأمر اختلف فيه، حيث نقل الراوي عن الصادق (ع) عن آبائه (ع) أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأمور ثلثة أمر بين لك رشده فاتبعه، وامر بين لك غيه، فأجتنبه، وامر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل.
لا يقال: لو كان المراد من الشهرة، هي الفتوائية أعني الفتوى على طبقها، فما معنى قول الراوي بعد الفقرات الماضية: قال قلت: فإن كان الخبر ان عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال: ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة ... الخ، إذ لا معنى لكون كل واحد من الخبرين مشهورا مجمعا عليه بحسب الفتوى فان كون أحدهما مجمعا عليه يستلزم اتصاف الاخر بالشذوذ والندرة، وهذا بخلاف ما إذا حملناها على الشهرة الروائية، فيمكن أن يكون كل واحد مشهور حسب النقل بل نقلهما الثقات وأصحاب الجوامع وان لم يكن الفتوى الا على طبق واحد منهما (لأنا نقول)، ان المراد من المجمع عليه هو مقابل الشاذ النادر مما يطلق عليه " المجمع عليه " عرفا، وبذلك يتضح معنى قوله فإن كان الخبران عنكم مشهورين... الخ، لامكان اشتهار فتوائين بين الأصحاب، لكن لا بمعنى كون أحدهما شاذا نادرا، بل بعد عرفان حكم المشهور والشاذ، ان إحدى الروايتين ليست نادرة بحسب الفتوى بل مساوية مع صاحبها في أن كليهما مورد فتوى لجمع كثير منهم، وان الحكمين معروفان بينهم، هذا فقه الحديث.
واما عدم دلالته على مدعى الأخباريين، فلما علم أن المراد من الامر المشكل الذي أمر فيه بالرد إلى الله ورسوله، هو القسم الثالث الذي ليس بمجمع عليه ولا شاذ بل مما اختلف فيه الرأي، ولا أظن أن الاخباري مما يلتزم فيه بوجوب التوقف والرد إلى الله تعالى، فان الاخباري لا يجتنب عن الرأي والافتاء في المسائل التي اختلفت فيها كلمة الأصحاب، بل نراه ذات رأى ونظر في هذه المسائل من دون ان يتوقف