الحجة خروج عن رسم العبودية وهو ظلم من العبد إلى مولاه، يستوجب العقوبة، واما مع عدم قيام الحجة فلا يكون ظالما فلا يستحق العقوبة وهو كاف في المقام، واما كون العقاب بلا بيان قبيحا، فغير محتاج إليه فيما يرتأيه الأصولي وإن كان في نفسه صحيحا.
أقول: إن العقل مستقل بوجوب إطاعة المنعم، وقبح مخالفته، واستحقاق المتخلف للعقوبة، وهذا الحكم (استحقاقه للعقوبة) ليس بمناط انطباق عنوان الظلم عليه، بل العقل يستقل بهذا، مع الغفلة عن الظلم، على أن كون مطلق المخالفة ظلما للمولى محل بحث واشكال هذا أولا - (واما ثانيا)، فلان المرمى في المقام هو تحصيل المؤمن عن العقاب حتى يتسنى له الارتكاب وهو لا يحصل الا بالتمسك بهذه الكبرى التي مآلها إلى قبح صدور العقاب من المولى الحكيم العادل، واما مجرد دفع الاستحقاق بمناط ان الارتكاب ليس بظلم فلا يكفي في ذلك، لان دفع الاستحقاق عن ناحية الظلم وحصول الطمأنينة من تلك الناحية لا يصير مؤمنا عن عامة الجهات ما لم ينضم إليه الكبرى المذكورة.
وربما يقال: إن مناط حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واقعي غير مناط حكمه بقبح العقاب حتى من غير بيان واصل إلى المكلف فإنه لم يحصل في الأول تفويت لمراد المولى ولم تتم مبادئ الإرادة الآمرية فلا مقتضى لاستحقاق العقاب بخلاف الثاني فان ملاك عدم الاستحقاق فيه عدم استناد فوت المطلوب إلى العبد " انتهى " وفيه ان ما ذكر من الفرق غير فارق وما ذكر من الفرق لا يتجاوز عن بيان خصوصية الموردين واما اختلافهما في المناط فلا يستفاد منه، بل المناط فيهما واحد وهو قبح العقاب بلا حجة، سواء لم يكن بيان من رأس أو كان ولم يصل إليه فالعقاب في كلا القسمين عقاب بلا جهة ولا حجة وكلاهما من مصاديق الظلم والمناط في كلا القسمين واحد كما لا يخفى.
جولة حول وجوب دفع الضرر المحتمل ربما يتوهم ورود حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل على الحكم العقلي