ذلك التردد لا مجال للاطلاق، إذ غاية ما ذكرنا من المعاني والوجوه، احتمالات و امكانات وهو لا ينفع من دون الظهور، على أن الظاهر حسب السياق هو المعنى الأول أعني جعل المراد من الموصول الأمر الخارجي ومن الايتاء هو الاقدار والاعطاء - فلاحظوا مما ذكرناه يظهر النظر فيما افاده بعض أعاظم العصر في المقام بما هذا حاصله: ان المراد من الموصول خصوص المفعول به، ومع ذلك يكون شاملا للتكليف وموضوعه لان إيتاء كل شئ بحسبه، أضف إلى ذلك ان المفعول المطلق النوعي والعددي يصح جعله مفعولا به بنحو من العناية، كما أن الوجوب والتحريم يصح تعلق التكليف بهما باعتبار ما لهما من المعنى الاسم المصدري " انتهى " وفيه مضافا إلى عدم امكان شمول الموصول لهما بما مر أو لا ان قوله (قده) ان المفعول المطلق يصح جعله مفعولا به بنحو من العناية لا محصل له كقوله ان الوجوب و التحريم يصلح تعلق التكلف بهما إذ كيف يتصور تعلق البعث بهما على نحو المفعول به ولو اعتبر النحو الاسم المصدري وثانيا: ان لازم ما أفاد هو الجمع بين الاعتبارين المتنافين فان المفعول به مقدم في الاعتبار على المصدر لأنه إضافة قائمة به في الاعتبار واما المفعول المطلق فهو عبارة عن حاصل المصدر، وهو متأخر رتبة عن المصدر فكيف يجمع بينهما في الاعتبار فيلزم مما ذكره اعتبار المتأخر في الاعتبار متقدما في الاعتبار في حال كونه متأخرا ثم إنه استشكل على دلالة الآية بان اقصي ما تدل عليه الآية هو ان المؤاخذة لا تحسن الا بعد بعث الرسل وتبليغ الاحكام وهذا لا ربط له بما نحن فيه من الشك في التكليف بعد البعث والانزال وعروض اختفاء التكليف بمالا يرجع إلى الشارع، فالآية لا تدل على البراءة بل مفادها مفاد قوله تعالى: ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " انتهى " وفيه ما عرفت في توضيح دلالة الآية المتقدمة، بان الميزان هو الابلاغ و الايصال في استحقاق العقاب لا الابلاغ ولو مع عدم الوصول، على أن دلالة تلك بعد الغض عما ذكرنا من الاشكال أوضح من المتقدمة لوضوح دلالتها في الابلاغ والإيصال من دون ان نحتاج إلى الغاء الخصوصية كما لا يخفى
(٢١٢)